منارة العبد هي المئذنة الثالثة في الحرم الحسيني المطهر، شيدها خواجة أمين الدين مرجان الرومي، الذي كان عبداً للسلطان أويس بن الشيخ حسن برزك الجلائر، عُرفت المنارة بهذا الاسم نسبةً إلى مرجان، الذي استجار بالضريح الحسيني بعدما دبّر السلطان جيشاً لإخماد تمرده أثناء حكمه بغداد بين عامي 750هـ/1349م و776هـ/1374م.
لجأ مرجان إلى كربلاء في عام 767هـ/1365م، واستجار بحرم الإمام الحسين (عليه السلام)، ولما صفح عنه السلطان أويس وأعاده إلى ولايته على العراق، وفاءً لنذره، بنى منارةً في الصحن الحسيني الشريف، مرفقة بمسجد خاص، كما أوقف مرجان أملاكا في كربلاء وبغداد وعين التمر والرحالية لتأمين مصاريف صيانة المنارة والمسجد، مما جعلها جزءا من الأوقاف الحسينية الدائمة.
شُيدت منارة العبد سنة 767هـ في الجانب الشرقي من الصحن الحسيني، وكان يُطلق عليها (أنگوشْت يار)، أي إصبع التابع المحب، في إشارة إلى ولاء مرجان وحبه للإمام الحسين (عليه السلام).
وصفها المؤرخ الدكتور عبد الجواد الكليدار بأنها كانت مئذنة جبارة، أعظم وأفخم من كل المآذن الموجودة في العتبات المقدسة، قطر قاعدتها يبلغ 20 مترا تقريبا، وارتفاعها 40 مترا، كانت مكسوة بالفسيفساء والكاشاني الأثري البديع الصنع، مما يجعلها تحفة معمارية نادرة ليس فقط في العراق، بل في العالم الإسلامي.
مرت منارة العبد بعدة إصلاحات كان أبرزها في عهد الشاه طهماسب الصفوي عام 982هـ، ضمن أعماله لتطوير الحائر الحسيني، حيث قام بتوسعة الصحن من الجهة الشمالية وأعاد ترميم المنارة،استمرت منارة العبد قائمة لمدة ستة قرون منذ تشييدها حتى عام 1354هـ/1937م، حينما هُدمت بحجة ميلانها وخطر انهيارها، لكن المؤرخين يرجحون أن دوافع الهدم كانت طائفية يقف وراءها رئيس وزراء العراق آنذاك ياسين الهاشمي. بفقدانها، خسر العراق والعالم الإسلامي أحد أبرز المعالم التاريخية والمعمارية.
يشير الأستاذ جعفر الخليلي إلى أن هناك سوء فهم شائعا حول تسميتها، إذ لا صحة للرواية التي تزعم أن زنجياً انتحر بإلقاء نفسه من أعلى المنارة، أو أن شحاذًا جمع المال لبنائها، السبب الحقيقي لتسميتها بمنارة العبد يعود إلى مرجان الرومي، الذي نذر بناءها أثناء استجارته بضريح الإمام الحسين (عليه السلام).
وهكذا، تبقى منارة العبد شاهدا خالدا على عبقرية الإبداع المعماري الإسلامي، وإرثا يروي صفحات من تاريخ كربلاء والحرم الحسيني المطهر ، وقصة وفاء وولاء تجسد معاني الرجوع إلى الله والتوبة الصادقة، ورغم أنها لم تعد قائمة بيننا، فإن ذكراها تظل محفورة في قلوب المؤمنين وأذهان الباحثين عن الجمال والتاريخ.
المصادر
(1) جعفر الخليلي ،موسوعة العتبات المقدسة ج 8 ،ص366 -368.
(2) عبد الجواد الكليدار ال طعمة ،تاريخ كربلاء: ص241.