في مسعى علمي فريد يُماثل التنقيب في أعماق التاريخ، فتح مركز كربلاء للدراسات والبحوث، نافذة جديدة لفهم ماضي مدينة كربلاء المقدسة من خلال أكبر خزائن الوثائق في الشرق ممثلةً بأرشيف رئاسة الوزراء العثماني في إسطنبول (Basbakanlik Osmanli Arsivi).
هذا الأرشيف العملاق، الذي يُعد ثالث أكبر أرشيف على مستوى العالم من حيث عدد الوثائق، يحوي ما يزيد عن (150) مليون وثيقة تغطي فترة حكم الدولة العثمانية منذ تأسيسها عام 1299م حتى زوالها في 1924م، موزعةً على محاور السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والصحة، والإدارة، ومن بين هذا السيل الهائل من الأوراق، اختار باحثو المركز أن يغوصوا بحثاً عن كل ما يتعلق بمدينة سيد الشهداء "عليه السلام" خلال الحقبة العثمانية.
يُصنّف الأرشيف العثماني الوثائق وفق نظام دقيق يعتمد على مصدر الوثيقة وتسلسلها الزمني، ويتضمن أقساماً متنوعة، أهمها "دفاتر الديوان الهمايوني" التي تضم قرارات السلطنة ومراسلاتها مع الولايات، و"الباب الدفتري" المشتمل على الحسابات والضرائب والأوقاف، بما فيها تلك المتعلقة بكربلاء ومراقدها المقدسة، فضلاً عن "دفاتر الولايات والنظارات" حيث تتبع الباحثون أثر كربلاء ضمن التقارير الإدارية والمالية المرسلة من بغداد أو مباشرة من مقرات إدارة المدينة.
اللافت للاهتمام أن أقدم وثيقة مؤرشفة تعود إلى عام 1432م، فيما يستمر العمل في تصنيف الوثائق حتى يومنا هذا، حيث لم يُفهرس سوى 50٪ من محتويات هذا الأرشيف.
ومن خلال تحليل دفاتر الجزية، ودفاتر الأوقاف، والسجلات الخاصة بالحرمين الشريفين، استطاع مركز كربلاء أن يرسم صورة جديدة لواقع المدينة آنذاك ممثلاً بإدارتها، وعلاقاتها السياسية، ووضعها الاقتصادي، ودور العتبات المقدسة فيها.
هذا ولم تخلُ الوثائق من إشارات دقيقة لأحداث مفصلية، أو لشخصيات دينية ورسمية كانت تؤدي أدواراً مختلفة داخل المدينة، مما يفتح آفاقاً بحثية مستقبلية.
المصدر: موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، الوثائق العثمانية، ج1، ص33-35.