شهدت الأمة الإسلامية في مراحلها المبكرة أحداثاً مأساوية هزّت الضمير الإنساني، بدأت بالهجوم الغادر على دار السيدة فاطمة الزهراء "عليها السلام"، مروراً باغتيال الإمام علي "عليه السلام"، ثم دس السمّ للإمام الحسن "عليه السلام"، لتنتهي بالفاجعة الكبرى، مجزرة كربلاء التي ارتكبها الطاغية يزيد بن معاوية الأموي بقتله سبط رسول الله، الإمام الحسين "عليه السلام"، وأهل بيته وأصحابه الأبرار.
هذه الجريمة البشعة لم تمرّ مرور الكرام، بل تركت ندبة دامية في قلب الأمة، وأشعلت شرارة الوعي في ضمائر المسلمين بمختلف أعراقهم ومذاهبهم، وبدلاً من أن تسكت الجماهير المؤمنة، بدأت بترتيب صفوفها للثأر للدم الزكي.
أولى هذه المحاولات، كانت بقيادة الشهيد المجاهد "سليمان بن صرد الخزاعي" الذي حوّل الألم إلى حركة ثورية، فنظّم صفوف الثائرين وتوجّه بهم إلى مرقد الإمام الحسين "عليه السلام"، حيث استلهموا من صاحب المقام صبره وصموده، ليرفعوا من هناك راية "الثأر" معلنين عن "ثورة التوابين"، حيث العهد والدمع والسيف، وليقرروا أن تكون شهادتهم كفارة عن تقصيرهم، وكان لهم ما أرادوا.
ثم جاء الدور للثائر الذي لا ينسى التاريخ اسمه، "المختار بن أبي عبيدة الثقفي"، حيث التفَّ حوله رجال أوفياء لقضية آل البيت "عليهم السلام"، وعلى رأسهم الشهيد القائد "إبراهيم بن مالك الأشتر"، ومعهم انطلقت حركة الثأر الكبرى التي أرهبت السلطة الأموية واقتلعت أركانها واحداً تلو الآخر.
فمن الكوفة إلى معارك "الخازر" و"عين الوردة"، كانت السيوف تهتف، "يا لثارات الحسين".
ولم يكن الرجال وحدهم من نالوا شرف خوض هذه المعركة المقدسة، فقد سطّرت نساء مواليات لآل البيت "عليهم السلام"، صفحات مشرقة من البطولة والتحدي، ووقفن بشجاعة بوجه البطش الأموي، فأصبن مقام الخلود والتاريخ، وكتبت أسماؤهن بأحرف من نور في سجلات الفخر والولاء.
وهكذا، امتزجت دماء الرجال والنساء من أتباع بيت النبوة المبارك، على أرض كربلاء، وفي الكوفة، وعين الوردة، والخازر، لتكون وقوداً للثأر المقدّس، وراية للحق لا تنكسر.
فسلامٌ على أولئك الثائرين الأوفياء، وسلامٌ على المجاهدات الكريمات، وسلامٌ على كل من جعل دمه ثمناً لعقيدته، وهتف من قلبه، "هيهات منّا الذلّة".
المصدر: سعيد رشيد زميزم،رجال ثأروا لدم الحسين، ص11-12.