كربلاء، المدينة التي تفيض علماً كما فاضت دماً، لم تكن يوماً أرض فاجعة أليمة فقط، بل كانت وستبقى مهداً للمدارس الفكرية وشعلةً للنهضة الإسلامية، التي برز من بين رموزها الخالدة، العالم الفقيه الأديب الشيخ زين الدين علي بن حسن بن محمد الحسيني الحائري (ت 793هـ).
ففي أزقة كربلاء القديمة، وتحت قباب الحضرة الحسينية الشريفة، وُلد عالمٌ نبيلٌ ومحققٌ فاضلٌ، عُرف بين العامة والخاصة، بعلمه الجمّ، وفصاحته البالغة، وأدبه الرفيع.
كان يحمل لقب "الخازن بالحضرة الحسينية"، لا لكونه أميناً على مفاتيحها المادية فحسب، بل لأنه كان مؤتمناً على مفاتيح العلم والمعرفة التي ازدهرت في أروقتها.
تتلمذ الشيخ المكنّى بـ "أبي الحسن"، على يد الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، أحد أعظم فقهاء الشيعة في القرن الثامن الهجري، حيث لم يكن مجرد تلميذٍ بارٍّ فحسب، بل أصبح واحداً من أبرز حَمَلة علمه، إذ يروي بالإجازة عن أستاذه مباشرة، مما يُظهر الثقة العلمية الكبيرة التي نالها.
ومن دلائل علو كعبه العلمي، أن ممن تتلمذوا على يديه، هو الفقيه الشهير، الشيخ أحمد بن فهد الحلي، الذي أصبح لاحقاً من أعلام المدرسة الحلية، واضعاً الخازن في سلسلة ذهبية من العلماء الذين نقلوا تراث آل البيت "عليهم السلام" عبر القرون.
هذا ولم تغب سيرة الشيخ الحائري عن مؤرخي العلم ورجال التراجم؛ فقد ورد ذكره في العديد من المصادر المعتبرة مثل "الكنى والألقاب" للشيخ عباس القمي، و"أمل الآمل"، و"روضات الجنات"، و"تراث كربلاء"، و"معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء"، وغيرها من المصادر التي حرصت على توثيق اسمه ومكانته العلمية الفريدة.
وعلى الرغم من مرور قرون على وفاته، إلا أن كربلاء لاتزال تفتخر بهذا الاسم الذي كان منارة فكرٍ، وركناً من أركان العلم في الحضرة المقدسة، فالخازن لم يكن مجرد عالم متفقّه، بل كان تجسيداً حياً لعراقة المدرسة الحائرية، وصوتاً من أصوات العقل والأدب في المدينة التي كان ولا يزال العلم فيها يُستسقى من تضحيات الإمام الحسين "عليه السلام".
المصدر: د. كامل سلمان الجبوري، وثائق الحوزة العلمية في كربلاء منذ نشوئها حتى عام 1444هـ / 2023م، ، ج1، ص13.