الخصاف (مهنه شاقه...وتجاره حره).
الخصاف ومفردها خصافه، هي عباره عن كيس أسطواني مصنوع من خوص سعف النخيل، صناعه موغلة في القدم من زمن السومريين، الغاية منه لحفظ التمر فيه، والمعروف ان كربلاء وبالخصوص ان ريف ناحية الحسينية مشهور بإنتاج كميات كبيره من التمور من زمن بعيد، وعلى هذا الاساس، دفعت الحاجة المعنيين بتجارة التمور توفير كميات هائلة من الخصاف لأجل تعبئة المحصول السنوي للتمور فيها، ولهذا برزت الحاجة الى وجود متعهدين يقومون بجمع الخصاف الذي ينتج في البيوت من النسوة.
كانت ظاهرة المتعهدبن المختصين بشراء الخصاف، من الظواهر المألوفة والمشاهد اليومية التي اعتادت الناس عليها، هؤلاء مهمتهم شراء الخصاف وجمعه قبل موعد (الكصاص) جني التمور، وهؤلاء يمتلكون (عربانه قديمة) يجرها حمار (اجلكم الله)، ويتحكم بقيادتها رجل يمسك بزمام الدابة، ويجلس على لوحه خشبيه مثبته في مقدمة العربانه، ويتجول في الطرقات وينادي بأعلى صوته، (خصاف.... خصاف...خصاف.) لأجل تنبيه النسوة اللائي امتهن صناعة الخصاف بوصوله، لأجل جلب منتوجهن وبيعه للمتعهد بعد التفاوض على السعر ان كان مفرد او جمله.
وصناعة الخصاف، من المهن الشعبية النسوية، حيث تحتكرها النساء حصرا، ولا يجوز ان يعمل بها الرجال هكذا ساد العرف الاجتماعي، فكانت هذه المهنة واسعة الانتشار في ريف الحسينية، ونادرا ما تجد عائله ليس فيها امراءه لا تزاول مهنة حياكة الخصاف، حيث الكثير من العوائل الفقيرة وهم اكثريه، كانت تعتاش على هذا المورد الشحيح والشاق.
اما حياكة الخصافه الواحدة، ليس امرا سهلا، حيث تمر العملية بمراحل متعددة ولا بأس من التطرق اليها باختصار، لاطلاع الاجيال اللاحقة عليها، فبعد جلب سعف النخيل الاخضر (الحضان)، يتم تجفيفه تحت اشعة الشمس، ثم ينزع الخوص منه، ثم يرطب الخوص بالماء، لاكتساب مرونة، ثم فصل كل خوصه الى نصفين، ثم تبدأ مرحلة نسج الخوص على شكل سفيف (شريط عريض من الخوص، ثم عملية ربط جهتي السفيف ببعضها تدريجيا حتى تصبح أسطوانة من الخوص، ارتفاعها لا يزيد عن ٧٥سم وقطرها يتراوح بين ٥٠ الى ٦٠سم. وتستغرق عملية انتاج خصافه واحده بين ٤ الى ٦ ساعة حسب مهارة الحياكة جهد كبير يبذل في سبيل انتاج خصافه واحده سعرها بالمفرد في أحسن الاحوال لا يتجاوز ٦ الى ٨ فلس، علما ان الدينار الواحد يساوي ١٠٠٠ فلس، هذا إذا ما علمنا ان الاسعار غير ثابته فهي الاخرى عرضه لتقلبات السوق، والعرض والطلب، احيانا ترتفع في موسم الذروة. جني التمر وتنخفض خلافه، وأحيانا عامل المنافسة والمضاربة بين المتعهدين قد تلعب دور كبير في تقلبات الاسعار.
حيث يقطع هؤلاء المتعهدين مسافات بعيده نسبيا. ويحمل كيس من القماش مملوء نقود (خردة) عمله فئة (فلس احمر ه ،١٠، قران ٢٥ فلس، درهم ٥٠ فلس و١٠٠ فلس فضية اللون) ونادرا جدا عمله ورقيه فئة ٢٥٠ فلس،!!!! وعندما يقوم بسحب الكيس المثبت بحزام المتعهد وفتحه يصدر منه صوت النقود الخردة، له تأثير سحري على نفوس بائعات الخصاف، الهدف منه ترغيبهن ببيع منتوجهن بالسعر الذي يحدده هو. بالإضافة الى تحفير الكسولة منهن بزيادة انتاجها مستقبلا كي تحظى ما حظيت به اخواتها!!!!!! ايام زمان كانت الأسرة الريفية اسره منتجه بمنتجات وصناعات شعبيه متنوعة، ورغم مردوداتها الشحيحة لكنها مفيدة لقتل الفراغ احيانا واستغلاله بإنتاج مفيد، ومهنه بنفس الوقت، علاوة على عملها في مجال الانتاج الزراعي والحيواني، رغم ظروف المراءة الريفية الصعبة، الا انه تطور صناعة التمور وانتاج بدائل للخصاف، كأكياس النايلون التي كانت توزع مجانا على الفلاحين من قبل مصلحةالتمور العراقية الله يرحمها. بداءت تتضاءل وتتراجع صناعة الخصاف تدريجيا ولم تتمكن من الصمود حتى أفلت نهائيا.
الكاتب
صالح ذياب مانع