في قلب العراق، وتحديداً في مدينة كربلاء المقدسة، لا يمرّ اليوم دون أن يترك المناخ بصمته على تفاصيل الحياة اليومية، فمن حركة الأسواق إلى خُطط الزراعة، ومن صحة الإنسان إلى لحظات استجمامه.
هذا التأثير العميق والواسع كشفته فصول موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة، الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، والتي قدّمت قراءة علمية دقيقة لعناصر المناخ في المحافظة، كما كشفت عن كيفية رسم هذا المناخ، لملامح الحياة والسلوك والأنشطة في مدينة سيد الشهداء (عليه السلام).
وتشير البيانات المنشورة في المحور الجغرافي من الموسوعة، إلى أن درجات الحرارة في كربلاء تبدأ بالارتفاع من نهاية آذار، لتبلغ ذروتها في تموز بمعدل شهري يصل إلى (44.6) درجة مئوية، قبل أن تعاود الانخفاض التدريجي حتى تصل إلى (17.8) درجة مئوية في كانون الأول، حيث لا يمرّ هذا التذبذب الحراري مرور الكرام، بل يؤثر بوضوح على راحة السكان وفعالية الزراعة ونوعية المحاصيل، مما يجعل المناخ عاملاً حاسماً في التخطيط الحياتي.
وأما الأمطار، فتمتاز المدينة وضواحيها بندرتها نسبياً، حيث تقتصر على فصليّ الشتاء والربيع، فيما يخلو صيفها من أي قطرة مطر، خاصةً في حزيران وتموز وآب، كما يُعد كانون الأول أكثر الشهور مطراً، بمعدل (19.2) ملم، ما يضع المحافظة ضمن المناطق الجافة المتأثرة بنظام البحر المتوسط ولكن بحدود دنيا من تساقط الامطار.
وفيما يخص الرطوبة التي تحاكي المزاج العام للسكان، فتسجّل أقصاها في الشتاء بنسبة (75.3%) وأدناها في تموز بنسبة (26.4%)، ليضيف هذا الفارق الكبير، طبقةً جديدة من التأثيرات النفسية والبيئية، حيث ترتبط الرطوبة بدرجات الحرارة، وتشكل إحدى مفاتيح فهم شعور الإنسان بالراحة أو الانزعاج.
كما لا تعدّ كربلاء أرضاً للأجواء الروحية فحسب، بل أصبحت أيضاً ميداناً للرياح المتقلبة، إذ تهبّ الرياح الشمالية الغربية في معظم أيام السنة، بينما تهاجمها أحياناً رياح جنوبية شرقية، أما الأبرز في هذا كله، فهو تسجيل (510) يوماً من العواصف الرملية خلال (30) عاماً، أي بمعدل (17) يوماً في السنة، ليسلّط هذا الرقم، الضوء على أهمية دراسة الرياح في كل ما يتعلق بالزراعة، الري، والتخطيط العمراني.
إن قراءة مناخ كربلاء المقدسة ليست مجرد تحليل لدرجات الحرارة وسرعة الرياح، بل هي نافذة لفهم أعمق لأثر الطبيعة على الإنسان والمجتمع، وتحدٍ يومي يتعامل معه السكّان والعاملون في مختلف القطاعات، مما يجعل مناخ كربلاء مادة ثرية للدراسة، ومصدر إلهام لاستراتيجيات مستقبلية متكاملة.
المصدر: موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص33-41.