في خطوة علمية رائدة وغير مسبوقة، نجح مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة ومنذ أوائل عام 2018، في تبني مشروع بحثي فريد من نوعه تمثل بإعداد ونشر إصداره العلمي المتخصص والمعنون بـ "الإمام الحسين (عليه السلام) في الدراسات الاستشراقية"، ساعياً إلى استكشاف صورة سيد الشهداء (عليه السلام) في أذهان المستشرقين الغربيين.
لم يكن هذا الاهتمام العلمي وليد الصدفة البحتة، بل جاء استجابةً لحاجة معرفية ملحّة، بعد أن تبين أن الدراسات الأوروبية قد تناولت التاريخ الإسلامي عموماً، وأحداث كربلاء خصوصاً، بدوافع متباينة تتراوح بين الدينية، والسياسية، والتبشيرية، وأحياناً العلمية المحضة.
وهنا أدرك المركز أن دراسة التراث الحسيني من خلال عدسة المستشرقين، تكشف عن تباين لافت بين الأهداف والمناهج؛ فمنهم من حمل نوايا علمية صادقة، ومنهم من سخّر قلمه لخدمة أغراض استعمارية أو كنسية، إلا أن صورة الإمام الحسين (عليه السلام) بقيت حدثاً محورياً أثار اهتمام الكثيرين، وترجم إلى لغات عدة حتى أصبح العالم الغربي مطلعاً عليه من بوابة الترجمة أو التحقيق أو التفسير.
ومن هذا المنطلق، جاءت هذه الدراسة العلمية لتكون مرجعاً رصيناً يستعرض أبرز النتاجات الاستشراقية التي تناولت الإمام الحسين (عليه السلام) وثورة عاشوراء الخالدة، مع تحليل نقدي يستند إلى خلفيات الكتّاب، ومرجعياتهم الفكرية والسياسية.
يهدف المركز عبر هذا المشروع، إلى رسم خارطة طريق واضحة للباحثين الراغبين في التوسع بدراسة صورة الإمام الحسين (عليه السلام) في الفكر الغربي، مع تسليط الضوء على التباينات في أحكام المستشرقين وأسبابها، مما يسهل مهمة البحث ويعمق الفهم الصحيح.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الجهد العلمي الفريد لا يرصد كيفية استقبال الغرب لتراث عاشوراء وحسب، بل يسعى أيضاً إلى تصحيح المفاهيم وإبراز الأبعاد الحقيقية لقضية كربلاء الخالدة، في ظل عالم متسارع يسعى لاستعادة جذوره الروحية والفكرية.
المصدر: الإمام الحسين في الدراسات الاستشرافية، تأليف الشيخ ليث عبد الحسين العتابي، ص9-10.