عندما تأزم الوضع في النجف وبات الوضع ينذر بالخطر وراح البريطانيون يفكرون في إلقاء القبض على بعض علمائها، وفي مقدمتهم الشيخ عبد الكريم الجزائري، أجتمع زعماء ورؤساء الفراتين الى سماحة العلامة شيخ الشريعة الذي كان يفاوض الحاكم السياسي بوجوب إطلاق الأحرار المبعدين، وفي مقدمتهم الشيخ محمد رضا الحائري والبريطانيين يخاتلونه ويماطلونه في إجابة طلبه، وطلب منه رؤساء القبائل الفراتية التوسط لهم عند قائدهم الروحي إعلان الجهاد المقدس، إذ كان الإمام الحائري الى ذلك الوقت الذي ركن فيه البريطانيون الى سياسة التعسف والإرهاب وإلقاء القبض على الأحرار وتسفيرهم، وبينهم نجله، كان ينصح الناس بوجوب الإخلاد الى السكينة والهدوء وعدم الإخلال بالأمن والاكتفاء بالتظاهرات السلمية والوعظ وحث الغافلين من العراقيين للنهوض يداً واحدة لنيل مطالبهم الشرعية وضالتهم المنشودة، وهي استقلال العراق، كما يؤخذ من ندائه الأخير الذي وجهه الى الشعب العراقي في أحلك الساعات حراجة.
وإذا برسول الثوار الأحرار السيد نور السيد عزيز الياسري يصل كربلاء في مساء يوم الثلاثاء الثاني عشر من شوال (1338 هـ)، الموافق (29 / 6/ 1920 م)، وعندما تشرف بالمثول بين يدي القائد الروحي وأبلغه بما قرّ عليه رأي إخوانه ورفاقه في الجهاد، وهم نخبة من علماء النجف وفتيان ورؤساء الفرات الأوسط عند ذلك قرر ربان السفينة الإمام الحائري عقد الاجتماع الموسع في كربلاء، قاعدة النضال الوطني، في أمسية تلك الليلة وفي دار السيد نور السيد عزيز الياسري.
وعندما استفتي الإمام الحائري أصدر الفتوى التي وفق بين رأي الطرفين، وهذا نص الفتوى:
"مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع البريطانيون من قبول مطاليبهم".
الثالث عشر من شوال 1338) هـ)
الاحقر
مرزة محمد تقي الحائري
وقد أيد هذه الفتوى جميع العلماء الحاضرين، ولذلك اعتبر العراقيون وفي طليعتهم الثوار من رؤساء وزعماء الفراتين أنهم باتوا في حلٍّ مما جاء بمناشير وكتب الإمام الحائري السابقة التي تنص بلزوم مراعاة السلم وعدم استعمال القوة؛ وأصبح المفروض على كل مسلم مقاتلة البريطانيين دفاعاً عن كرامته وكرامة بلاده.
وبعد حصول رسول الثوار، السيد الياسري، على هذه الفتوى التي طبعت بعشرات الألوف ووزعت في كل مكان، عاد صبيحة اليوم الآتي الثالث عشر من شوال 1338) هـ)، الموافق ليوم الأربعاء 1920/6/30م الى النجف.
المصادر:
- محمد حسن مصطفى الكلدار/مدينة الحسين /ج6/ص149ص152.
- علي الوردي /لمحات اجتماعية /ج5/ص236.
- عبد الرزاق الحسني /العراق في دوري الاحتلال والانتداب /ص104و119و122.
- عبد الرزاق الحسني /الثورة العراقية الكبرى /ص222-226.
- سلمان هادي ال طعمه / كربلاء في ثورة العشرين /ص60.