تشتهر العديد من المدن المقدسة في العراق بعادات وتقاليد دينية مميزة، إلا أن مدينة كربلاء تنفرد عن نظيراتها من تلك المدن بمناسباتها ذات الطابع الخاص بوضعها الديني والتاريخي والإجتماعي العريق.
من بين العادات والتقاليد التي إعتاد الكربلائيون على إحيائها عند إقتراب ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك كل عام هي ليلة "المشتهاية" التي تقوم على أثر حلولها أغلب عوائل المدينة، بتحضير مائدة رمضانية تختلف عن موائد الليالي الأخرى فضلاً عن إختلاف طريقة توزيعها على الجيران، وخصوصاً الفقراء منهم، في صورة تعكس مبادئ التكافل الإجتماعي التي نادى بها ديننا الإسلامي الحنيف.
نالت هذه الليلة مكانتها العميقة في نفوس أبناء مدينة كربلاء المقدسة ما نالته، نظراً لكونها تخص ذكرى جرح الإمام علي بن ابي طالب "عليه السلام" سنة (40) للهجرة، حيث تشهد أحياء وأزقّة وشوارع المدينة بحلول ليلة "المشتهاية"، قراءة القرآن الكريم والأدعية الشريفة، بالإضافة الى إقامة مجالس العزاء والتوجّه مشياً على الأقدام لضريح الإمام الحسين وأخيه العباس "عليهما السلام" لمواساتهما بهذا المصاب الأليم.
ويرى الكربلائيون بأن "من بين دلالات هذه الليلة المباركة، هي كمية الطعام التي يتم تقديمها للعوائل الفقيرة، حيث أنها لن تكون بالكمية الكبيرة على غرار نظيراتها في المناسبات الدينية الأخرى، وإنما تكون (مشتهاية) أي (تذوّق) كإستذكار لمصابهم بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فيما يكون الطبق الأبرز فيها هو (اللبن الرائب) نظراً لأنه الشراب الذي طلبه أبو الحسن (عليه السلام) بعد إصابته بسيف مسموم على يد الخارجي (إبن ملجم) حيث كانت العرب حينها تتداوى باللبن من مضاعفات السم".
ويشير بعض رواة الحديث ورجال الدين الى أن "أول من تناول (اللبن الرائب) خلال عهد الإمام علي (عليه السلام)، هم الأيتام الذين كان يرعاهم بصورة دائمة، والذين ما أن حلّت ذكرى ليلة الجرح حتى بدأوا يعلنون عن فقدانهم لراعيهم وأبيهم لتكون هذه الليلة من بعدهم طقساً رمضانياً تتناقله الأجيال".