بعد عقود طويلة من الظلم والتنكيل بحقهم، فقد رفع أبناء كربلاء راية الحرية ضد أزلام النظام الصدامي في الثالث من آذار سنة 1991، حيث قامت مجموعة من أبناء هذه المدينة المقدسة وبالأخص من محلتيّ العباسية الشرقية والغربية بتقديمهما لنخبة من الشباب الغيارى وعوائلهم من بعدهم، قرابين إستشهاد ضد السلطة البعثية الغاشمة.
وكانت فاتحة العمليات التي نفّذتها هذه الثلة المؤمنة هي الهجوم على مقر فرقة حزب البعث المنحل والواقعة خلف إعدادية كربلاء، مما دفع برجالات النظام المتحصنين فيها الى الهرب بعد مقتل عدد منهم، ووقوع المقر تحت سيطرة الثوّار بالكامل، الذين نجحوا بالإستيلاء على الأسلحة الموجودة بداخله، ليتوجهوا منها نحو مقر شعبة الحزب المسماة بـ "منظمة الصمود" والتي لم يصمد أعضاءها إلا بضع دقائق أمام الشباب الكربلائي.
وبعد ذيوع أخبار إنتصارات الثوار المتلاحقة آنذاك، هبّت ما تبقى مناطق مدينة كربلاء لتعلن انتفاضتها هي أيضاً ضد السلطة الصدامية الغاشمة، فكان من بين هذه المناطق على سبيل المثال لا الحصر، محلة المخيم، والقزوينية، والسعدية، والجمعية، وحي المعلمين، وحي العامل، وحي الغدير وغيرها، حيث قام أهالي هذه المناطق بحرق مقارّ الأجهزة القمعية الجاثمة على صدورهم منذ عقود وتصفية من فيها من القتلة والمخبرين، فيما نال العشرات من الشباب المجاهدين، وسام الشهادة في هذه الملحمة بفعل نيران جلاوزة البعث الصدامي والذين كان من أشرسهم وأكثر من تلطخت يداه بدماء الكربلائيين الأحرار منهم في تلك الفترة قبل مقتله خلال أحداث الإنتفاضة، هو المجرم المدعو "مدلول" صاحب السجل الأسود في القتل والتنكيل تقرّباً من يزيد عصره الطاغية صدام.
ومما شهدته كربلاء المقدسة بُعيد سيطرة الثوار على كافة أحياء ومناطق المدينة، هو تنظيم الأمور الحياتية للسكان، بحيث شكّل قادة الإنتفاضة والوجهاء المحليين، لجنة خاصة للإشراف على إدارة شؤون المدينة المقدسة، ولجنة أخرى لإدارة شؤون الثوار الذين نظّموا صفوفهم لمواجهة القوات الصدامية الزاحفة على حدود كربلاء بنيّة إستعادة السيطرة عليها والقضاء على الانتفاضة الشعبية بقوة الحديد والنار.
المصدر/ تاريخ كربلاء قديماً وحديثاً، سعيد رشيد زميزم، ص163- 180.