تعتبر المقاهي في مدينة كربلاء تحديداً ذات طابع مميز لدى فئة كبيرة من المجتمع اضافة الى انها تعتبر البرلمان الشعبي لبعض المناطق والمحلات الشعبية في المدينة، حيث لعبت الدور الاساسي في الحياة السياسية والاجتماعية لفترات طويلة من عمر هذه المدينة المقدسة.
ففي المقهى تحلّ الكثير من العوائل الكربلائية مشاكلهم الداخلية او المناطقية، وكذلك المسائل المادية المستعصية، فيما تشهد المقاهي المحلية في ليالي شهر رمضان المبارك جلسات أدبية واجتماعات خطابية وشعرية متنوعة، فضلاً عن إرتيادها من قبل رجال المدينة بصورة منتظمة لتناول أطراف الحديث وإجراء المناقشات الشيّقة حول مختلف المواضيع، اذ تجدهم يتكلمون حيناً عن القضايا التي تشغل الواقع الكربلائي اليومي، أو عن الشؤون السياسية والإقليمية، أو لحلّ النزاعات التي تدور بين طرفين في أحيان أخرى.
ومن أبرز وأشهر المقاهي الكربلائية قديماً هي:
مقهى علي هدلة: ويقع هذا المقهى في سوق الساعجية الذي تم هدمه لاحقاً بسبب فتح الشارع الرابط بين الحرمين الشريفين، وقد اشتهر بتواجد الهاربين من الخدمة العسكرية الإلزامية آنذاك أبان العهد العثماني، فيما قاد صاحب المقهى نضالاً دامياً ضد السلطات العثمانية عام (1872م).
أما مقهى المرحوم (الحاج مجيد الكهوجي)، فقد كان من أقدم مقاهي كربلاء، حيث يعود تاريخها الى خمسينيات القرن الماضي ولايزال البعض من روّادها يرتادون جلساتها حتى يومنا هذا، ومن مميزات هذا المقهى إنه يمنح مرتاديه الشعور بالتواجد داخل متحف أثري يعود بذاكرتهم الى ماضي عريق يحمل تراث مدينة كربلاء وما تحويه من صور لرموز سياسية ودينية واجتماعية وأثاث ومقتنيات قديمة.
ومن بين أهم المقاهي الواجبة الذكر هي مقهى (سيد حسين الهندي) الذي يقع مقابل محطة القطار الرئيسية خارج مركز مدينة كربلاء، وقد احضر صاحب المقهى اول جهاز (رام) موسيقي من نوعه، والذي كان يسمى حينها بـ (الصندوق يغني)، ناهيك عن إنتشار الكثير من المقاهي الشعبية الكربلائية الأخرى في ربوع المدينة.
يذكر أن بعض هذه المقاهي التراثية القديمة الكربلائية كانت قد هدمت في أوقات لاحقة وتم تحويلها الى بيوت ومحلات تجارية كبيرة، فيما ظهرت مقاهي أخرى لا تمدّ للتراث الكربلائي العريق بأية صلة على الإطلاق.
المصدر/ كربلاء تاريخاً وتراثاً، سعيد رشيد زميزم، ص192- 197.