جون أشر عالم جغرافي إنكليزي ــ عضو الجمعية الجغرافية الملكية في لندن ــ وهو من أصل أيرلندي قام برحلة إلى الشرق الأوسط ودوّنها في كتاب صدر بلندن عام (1865) تحت عنوان (رحلة من لندن إلى تخت جمشيد) وتخت جمشيد نسبة إلى شيراز بإيران ترجم الكتاب إلى الفرنسية ومنها إلى الفارسية وترجمه من الفارسية إلى العربية سنة (1958م) وطبع بعنوان (رحلة إلى العراق).
وصل أشر إلى كربلاء بتاريخ 29كانون الاول 1864م، عن طريق المسيب بعد أن عبر جسرها المصنوع من القوارب ومرّ بالبساتين الممتدة على جانبي طريق الحسينية فدوّن إعجابه بمدخل كربلاء وكثرة البساتين الجميلة حولها، وعند وصوله إلى مشارف كربلاء أرسل شخصاً من أفراد قافلته يحمل كتاب توصية إلى قائمقام كربلاء ففتح له باب السور لدى وصوله إليها بعد مغيب الشمس فمرّت قافلته بين أزقة البلدة الضيقة التي كانت تضيء ظلمتها الفوانيس المعتمة التي بعثها القائمقام لتحمل أمامه إلى داره حيث استضافهم فيها.
أعجب أشر بكربلاء كثيراً عندما طاف في أسواقها في اليوم الثاني لقدومه إليها فقد ألفى البلدة عندما تجوّل فيها خلال اليوم الثاني بلدة ذات حركة غير يسيرة ونشاط ملموس برغم عدم اتساعها، لأن أسواقها كانت تزدحم بالزوار الذين أتوا لزيارة ضريح الإمام الحسين (عليه السلام).
في سرد ما دوّنه أشر عن قصة الإمام الحسين (عليه السلام) مع يزيد ثم يصف مشاهداته فيشير إلى (أنه لم يجد فيها علامات الركود والانحطاط التي شاهدها في البلاد التي مر بها خلال رحلته، وقد كان كل شبر متيّسر فيها من الأرض مشغولاً بالبيوت المتراصّة، أو التي كانت في مرحلة التشييد، وقد وجد فيها عدداً من مسلمي الهند مقيماً في بيوت قريبة من الضريح المقدس، كما لاحظ بين الزوار كثيراً من الإيرانيين والأفغان الذين تحملوا مشاق السفر البعيد من أجل التبرك بزيارة الإمام الحسين الشهيد.
ودّع أشر كربلاء بعد أن قضى فيها عدة أشهر متوجهاً الى النجف عن طريق (طويريج) الهندية ليستأجر فيها سفينة شراعيه توصله وجماعته الى الكوفة، وبسبب ضعف حركة الرياح تلكأت السفينة في سيرها، مما اضطر الملاحون الى سحبها بالحبال لمسافات طويلة، فقرر المستر أشر وجماعته تركها والتوجه الى الكفل على ظهر الخيول، وبعد زيارة الكفل واصل مسيرة الى النجف، فالحلة ومنها الى بغداد.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي- قسم التاريخ الحديث والمعاصر، ج1، ص75-86