نالت الطرازات الهندسية المتبعة في بناء المواقع الأثرية لمدينة كربلاء المقدسة، متابعةً واهتماماً بالغين من لدن الكتّاب والمؤرخين، ليس من أجل تحديد العمق التأريخي لتلك المواقع ودراسة الطرق الهندسية التي أُتِبِعت في تشييدها وحسب، وإنما للكشف عن الأصول التي تعود اليها تلك المخططات المعمارية (1).
وبالرغم من محاولات البعض إرجاع التخطيط العمراني الكربلائي الى أصول ساسانية، إلا أن مما تم إثباته ميدانياً إن هذا التخطيط المتمثل بثلاثة أقسام متداخلة هي (الإيوان) الوسطي و(الكُمّين) الجانبيين، هو طراز معروف في العمارة العراقية القديمة تحت أسم (الطراز الحيري) والذي تتواجد أمثلة أخرى منه في عدة مناطق أخرى من العراق أهمها منطقة (الحضر) شمالي البلاد.
يذكر أن هذا الطراز العمراني كان متّبعاً بكثرة في تشييد البيوت والقصور والمعابد العراقية على مرّ العصور، ولعل السبب في ذلك يعود الى ملائمته للبيئة والمناخ السائدين في البلاد، في حين أن السبب وراء تسميته بـ (الحيري)، هو التطور البالغ الذي شهده فن العمارة في مدينة (الحيرة) الأثرية المعروفة بقصورها ومعابدها الشاهقة قبل وبعد بزوغ فجر الدين الإسلامي.
___________________________________
المصدر:
(1) الأبنية الحضارية في كربلاء: أ. م. د. زين العابدين موسى آل جعفر، هدى علي حسين الفتلاوي، ص236.