بعد واقعة الطف الأليمة، كان أئمة الهدى يأخذون التربة من القبر المطهر لسيد الشهداء (عليه السلام) أو من جوانبه القريبة، لا سيما من جانب الرأس الشريف. وأول من صلى على هذه التربة واستعملها هو الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فإنّه بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف، فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجادة ومسبحة، وهي التي كان يديرها بيده حين أدخلوه بالشام على يزيد فسأله ما هذه التي تديرها بيدك؟ فروى له عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خبراً محصله إنّ من يحمل السبحة صباحاً ويقرأ الدعاء المخصوص لا يزال يكتب له ثواب التسبيح وإن لم يسبح. ولما رجع الإمام (عليه السلام) هو وأهل بيته إلى المدينة صار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها، ويعالج بعض مرضى عائلته بها. فشاع هذا عند العلويين وأتباعهم ومن يقتدي بهم.
يظهر من ذلك أن السجاد هو أول من صلى على هذه التربة وجرى على ذلك الأئمة من بعده، إذ أن ابنه الإمام الباقر (عليه السلام) تأثر في هذه الدعوة فبالغ في حث أصحابه عليها ونشر فضلها وبركاتها. وزاد الإمام الصادق (عليه السلام) على ذلك كما رواه الشيخ الطوسي له في "المصباح" عن معاوية بن عمار قال: "كان لأبي عبدالله الصادق (عليه السلام) خريطة من ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، فكان إذا حضرته الصلاة صبّها على سجادته ويسجد عليها، ثم قال: إنّ السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع". وكان هذا عمل الصادق (عليه السلام) طول حياته.
وهكذا استمر الأئمة على ذلك يحركون عواطف شيعتهم ويحفزون هممهم ويوفرون لهم الدواعي إلى السجود عليها والالتزام بها لما كانوا يذكرون في أحاديثهم من الأجر الجزيل والثواب العظيم لمن يتبرك بها ويواظب عليها. واستمر الشيعة على هذا الحال حتى بداية إمامة مولانا الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، فقد روى الشيخ في "التهذيب" عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال: "كتبت إلى الفقيه أسأله: هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟ فأجاب: وقرأت التوقيع ومنه نسخت: تسبّح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه". والتوقيع المشار إليه في هذا الخبر هو ما كان يصدر من الأجوبة أو الأوامر للشيعة من الناحية المقدسة، أي من ناحية الإمام الثاني عشر في زمن الغيبة الصغرى كما هو معلوم.