بقلم/ محمد طهمازي
تخضع التفسيرات والآراء لعوامل خارج الرؤية البحثية العلمية في كثير من الأحيان وبالخصوص في المجالات التاريخية والآثارية والدينية حيث تلقي النزوات والمواقف الشخصية والانتماءات العرقية والعقدية بظلالها الكثيفة على الباحثين والكتاب والمفكرين واللغويين فتنحرف كتاباتهم عن خطها العلمي والمعرفي أو تبقى تدور في محلها لما تقدم ولحالة من فقر المعلومات لديهم أو انعدامها.. وكربلاء مثالنا الحي على ذلك.
كربلاء الاسم هي من أكثر المدن التي تعرضت للأخذ والرد في ميدان معاني الأسماء في سبل البحث عن أصول اسمها ومصدره وقد أدلى الكثيرون بدلوهم في بئرها العميق فلم تصل حبالهم ولكن وصل بهم الأمر لدرجة محو تاريخها الموغل في القدم، ولأسباب عدة منها كما أسلفنا قصور معرفتهم، فحصروا كربلاء عبر اسمها في مرحلة زمنية جد قصيرة ولربما كان هذا هو الهدف غير المعلن.
ففي كتابه معجم البلدان ــ باب كربلاء قال ياقوت الحموي: "فأما اشتقاقه ــ أي اسم كربلاء ــ فـ (الكربلة) رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مُكربلاً, فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة, فسُمّيت بذلك. ويقال: كربَلْتُ الحنطة إذا هززتها ونقيتها وينشد في صفة الحنطة:
يحملنَ حمراءَ رسوباً للثقل *** قد غُربلتْ وكُربلتْ من القصل
فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك"
ولا أعرف السبب الذي جعل الحموي يتجه في تفسيره لاشتقاق اسم كربلاء لصفة تخص رخاوة قدمي رجل يمشي في سبيله ثم يعكس رخاوة القدمين على الأرض نفسها فتصبح رخوة وكأن ما من أرض رخوة في الكرة الأرضية غير تربة كربلاء، هذا إن كانت فعلاً تحمل صفة الرخاوة. ولكونه غير واثق من تفسيره حيث لا صلة يجدها بين التفسير والاسم في قرارة نفسه نراه يذهب ليعطينا تفسيرًا ثانيًا يقول فيه:
"والكربل اسم نبات الحماض، قال أبو وجرة السعدي يصف عهود الهودج:
وتامرُ كَرْبلٍ وعميمُ دفلى *** عليها والندى سبطٌ يمورُ
(فيجوز) أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نباته هناك فسمي به.."
ترى ما علاقة كربلاء باسم نبات الحماض هل هي تشتهر بإنتاجه كما الفواكه والخضار مثلاً أو يكثر في بقاعها، وللعلم أن هذا النبات منتشر في مناطق ودول كثيرة حول العراق وله أنواع مختلفة ولا تختص به كربلاء .هو في الحقيقة قد وجد اسمًا في اللغة العربية مشابهًا للفظ كربلاء، وهو يشبه اللفظ في التفسير الأول، فزجه في معرض تفسيره الثاني لأصل اسم كربلاء ولاحظ كلمة (يجوز) التي تدل على انعدام أي سند يستند إليه الحموي في بحثه وتحليله، يرافق ذلك محاولة محمومة، كما فعل غيره، لتعريب الاسم وفق معطيات اللغة العربية في شكلها الأخير الذي لا يعترفون بوجود أصول بعيدة له. كأنهم لا يعترفون بوجود لغات أخرى في المنطقة غير العربية بل لا يعترفون أو لا يفقه الكثير منهم أن اللغة العربية هي صورة تطورت عن سلسلة من اللغات حتى وصلت لشكلها الأخير الذي بين أيديهم، وإيمانهم حتى وإن لم يعترفوا بذلك بالروايات الخيالية المنسوجة على نسق الروايات الإسرائيلية التي تستند للخرافات ولا تمتلك حتى إصبع قدم واحدة على أرض الحقيقة.
يتبع ..