الروايات التأريخية
بيان:
وثمة ملاحظة مهمة لا بد من ذكرها وبيناها تتلخص في ان أغلب المؤرخين ممن ذكرنا اقوالهم وآرائهم قد اخذوا الرواية الخاصة (بأعداد أصحاب الإمام الحسين) من أبي مخنف وهنالك ممن اخذ من غيره.
والمتتبع لروايات أبو مخنف الواردة في هذه المصادر؛ يرى ان هناك تقارب وتفاوت بسيط بين مصدر وآخر مما يعطينا دلالة على ان مقتل أبو مخنف كان متوفر آنذاك وبدلالة ان هناك من نقل عن ابي مخنف كـ(البلاذري والدينوري) قبل الطبري، وقد اخذ منه مباشرة والحال يبطل ويفند احدوثة ان مقتل أبو مخنف المنقول عن الطبري مزور ومحرف بأجمعه وان الطبري هو من قام بوضع هذا المقتل ونسبه الى أبي مخنف ارضاءً لحكام بني العباس غير صحيح مطلقاً. ومن الطاعنين بعدم صحة روايات ابو مخنف المحقق السلفي محمد بن طاهر البرزنجي: اذ اعتبر كل مرويات أبي مخنف باطلة، وضعيفة، وحجته في ذلك أنّ علماء الجرح والتعديل والسير والتراجم السنّة قد أجمعوا على بطلان رواياته وتضعيفه، وأما سيف بن عمر، فمع اعترافه بذات الأمر من اجماع علماء التوثيق السنّة على تضعيف مروياته وجرحه، وبطلان أحاديثه؛ إلا انّ البرزنجي عزّ عليه ذلك، فاعتبر قسماً منها صحيحاً لأنها توافق ما ورد من روايات أخرى في كتب الصحاح، وبعض الكتب التاريخية الموثقة؟!!. والحال يعطينا مؤشر على وجود مخطط لاستهداف روايات عاشوراء ومحاولة تضعيفها وبالتالي التشويه والطعن بمرويات الطف كافة خدمة لمن ينتهج الخط الاموي.
وهناك من يذهب بالقول إنّ ما عند الطبري ليس كاملاً وبعد المقارنة مع المنقولات في المصادر الأخرى نجد ان هذه الاقوال محل تأمل والغاية منها هي محاولات بائسة ومكشوفة للتأثير على تاريخ النهضة الحسينية لإيجاد المبررات والمسوغات لتمرير مخططاتهم القائمة على الانكار التاريخي المبني على إعادة التشكيك في الحقائق المثبتة في وجدان الناس وإعادة تركيب التاريخ الماضوي بما لم يكن عليه في الحقيقة لتكتسب الكذبة التاريخية الطارئة مصداقية لدى الأجيال اللاحقة.
النتيجة
في ضوء ما تقدم نصل الى نتيجة مفادها:
اولاً: تسالم أرباب التاريخ والمقاتل بأنّ عدد الأصحاب يوم عاشوراء تراوح عددهم من (72 - 145) مقاتل مع الأخذ بنظر الاعتبار التباين الحاصل في العدد بين مؤرخ وآخر وهذا التسالم يعطنا دلالة واضحة بأن عدد (145) هو الأعلى بين الأعداد التي ذكرت في المصادر، والحال لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز هذا العدد من خلال التكهنات والاستنتاجات والاستحسانات الشخصية استنادا الى قاعدة (لا تاريخ بدون وثيقة).
ثانياً: من الممكن أن تكون الروايات التاريخية التي تحدثت عن عدد الأصحاب الأقل والبالغ (72) تنطبق عليها قاعدة التواتر.
«وعبأ الحسين أصحابه وصلّى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارسًا، وأربعون راجلًا، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العبّاس بن علي»
وهذا هو القول المشهور بين المؤرّخين، يتفق مع ما صدر من رواة آخرين متقدّمين على الطبريّ أو معاصرين له، كالدينوريّ واليعقوبيّ وآخرين متأخرين عنه كالخوارزميّ، فضلًا عن أنّ هذه الرواية استندت إلى شهود عيان حضروا في ساحة المعركة منهم الضحاك بن عبد الله المشرقيّ، الذي كان يقاتل مع أصحاب أبي عبد الله الحسين في كربلاء ونقلها عنهم أبو مخنف، وهذه الروايات بلغت حد التواتر الذي هو عبارة عن اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة مفيد للعلم بالضرورة.
ومعنى الخبر أن يكون متواتراً، وهو خبر جماعة يفيد العلم بنفسه كما عرّفه بعض- وقيد «بنفسه» لإخراج خبر جماعة علم صدقهم بالقرائن الزائدة عما لا ينفكّ الخبر عنه عادة... وفي شرح الدراية: أنّه ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم على الكذب، واستمرّ ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدد، بأن يرويه قوم عن قوم وهكذا إلى الأوّل، فيكون أوّله في هذا الوصف كآخره، ووسطه كطرفيه.
وأول مصاديق هذه القاعدة هو الراوي أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سلقم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبين وهو بيت الأزد بالكوفة.
عده البخاري من رواته، واليعقوبي من الفقهاء أيام المهدي العباسي، وذكره ابن حبان في طبقات من روى عن عائشة إن كان قد سمع منها وقال روى عنه الضحاك بن عثمان.
ترجمه النجاشي: وعبّر عنه بـ: شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم وكان يسكن إلى ما يرويه روى عن جعفر بن محمد. وقيل: إنه روى عن أبي جعفر عليه السلام ولم يصح ثم عدد كتبه وقال: وهي كثيرة.. ذكر منها (28) كتاباً.
وقد ترجمه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في رجاله وعدّه من أصحاب الإمام أمير المؤمنين وقال هكذا ذكره الكشي وعندي هذا غلطٌ، لأنّ لوط بن يحيي لم يلق أمير المؤمنين، وكان أبوه يحيي من أصحابه.
وفي الفهرست عده من أصحاب الحسن والحسين، على زعم الكشي.
قال فلهاوزن: وأبو مخنف هو أثبت حجة... في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة بل إن الطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم وما أطولها.
يتأكد لنا- بلا شبهة - انه شيعي إمامي- صرّح بتشيّعه ورفضه جمع من العامة منهم.
ابن عدي قال: وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم وإنما وصفته لا يستغنى عن ذكر حديثه فإني لا أعلم له من الأحاديث المسندة ما أذكره وإنما له من الأخبار المكروه الذي لا أستحب ذكره.!!
قال الذهبي: لوط بن يحيى أبو مخنف ساقط تركه أبو حاتم وقال الدارقطني ضعيف.
وفي التاريخ قال: (لوط بن يحيى، أبو مخنف الكوفي الرافضي الإخباري صاحب هاتيك التصانيف.
ذكره ابن حجر وقال: (لوط) بن يحيى أبو مخنف أخباري تالف لا يوثق به تركه أبو حاتم وغيره.
مما تقدم يتضح لنا أن قاعدة معاوية بعدم قبول شهادة اتباع أمير المؤمنين عليه السلام واخبارهم قاعدة عامة استند عليها أصحاب المدرسة الأموية حتى ذهب أصحاب هذه المدرسة كل من يحكم عليه بالتشيع سبباً لرد روايته كما هي عادتهم غالباً).
وإن ما نقلته عن الذهبي وابن عدي كون الرجل عندهم شيعياً كاف في سقوطه وعدم وثاقته.. وهذا من أمثال هؤلاء كاف لنا في مدحه ووثاقته واعتباره.. !! حيث علّلوا عدم وثاقته بشيعيته. !! لا بكذبه وفسقه وفجوره.
حتى وان كان شيعياً بالمعنى العام لا بالمعنى الخاص كما يذهب الى ذلك البعض غير ان عبارة النجاشي (وكان يسكن الى ما يرويه) تكفي لصدقه.
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي