لا شكّ أنّ التاريخ يكتبه المنتصر، ومن بيده زمام الأمور، فلو كان مع الإمام الحسين عليه السلام الأعداد التي يزعمون؛ لاتخذتها الطغمة الأمويّة الفاسدة، ذريعة للتنصل من جريمتها، وادعت أنّ الإمام الحسين عليه السلام جاءها بجيش عرمرم، فلم يسعها إلّا الدفاع عن شرعيّة السلطة من هذا الزحف.
يبدو أنّ المشككين لم يدركوا فلسفة النهضة الحسينيّة أصلًا، ومدى الإيمان الراسخ والعقيدة المطلقة بحتمية الدفاع عن شريعة سيّد المرسلين خلف راية قائدهم الحسين عليه السلام.
لا والله لا يراني الله أبدا وأنا أفعل ذلك، حتى أكسر في صدور هم رمحي، وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك، أو أموت معك. قال: وقام سعيد بن عبد الله الحنفيّ فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبدًا حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ولو علمت إنّي أقتل فيك ثمّ أحيى ثمّ أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك، حتى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا؛ ثمّ قام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت إنّي قتلت ثمّ نشرت ألف مرّة وإن الله تعالى قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوانك وولدك وأهل بيتك.
وتكلّم جماعة من أصحابه بنحو ذلك، وقالوا: أنفسنا لك الفداء، نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا».
كلّ هذا كان بمواجهة معسكر تكوّنت عناصره من (المنافقين والانتهازيين والمرتزقة وأصحاب الأطماع والمكرهين) ، وكلّ هؤلاء لا يؤمنون بعدالة قضيتهم وبالمهمّة التي جاءوا من أجلها فهذا عمر بن سعد قائد الجيش الأموي دفعته المطامع لحرب الحسين فكان يحلم بولاية الري التي لم ينالها، إذ انحصرت أهدافه وغاياته بالأمور الدنيويّة الماديّة ولم يتمكن من تسجيل أي موقف نبيل، وكان مدركًا تمام الإدراك أن قتله للحسين يرديه النار لمعرفته ودرايته التامّة بمكانة الإمام الحسين عليه السلام.
إملأ ركابي فضة وذهبا |
|
إنّي قتلت السيّد المحجّبا |
قتلت خير الناس أمًّا وأبا |
|
وخيرهم إذ ينسبون نسبا |
فمن المسلّمات الحتميّة أنّ مثل هؤلاء الخونة ضرب الله على قلوبهم بالرعب وانتابتهم الانهزامية من الداخل فكانوا غير قادرين على المواجهة.
ثالثاً: شواهد معاصرة
انتفاضة صفر عام 1397هـ/1977م التي قام بها ثلّة من المؤمنين الرساليين؛ لمواجهة الإجراءات التعسّفيّة الظالمة التي كان يمارسها النظام البعثيّ الغاشم من خلال إصداره الأوامر بمنع مسيرات المشاة المتوجهة إلى كربلاء أيّام زيارة الأربعين المباركة، ولم تمتثل لهذه الأوامر ثلّة من السائرين على نهج سيّد الشهداء عليه السلام ، فما كان من النظام البعثيّ الا مواجهتهم بفرقٍ من الجيش من أصناف المشاة والدروع وغيرها من باقي الصنوف المسلّحة فضلًا عن مهاجمتهم بالطائرات الحربيّة والمروحية، كلّ هذه الإجراءات الحربيّة جرت في منطقة (خان النخيلة) ضد اُناس عُزِل لا يمتلكون أيَّ سلاح سوى حب الحسين عليه السلام ، وسلاحهم الوحيد الشعارات الحسينيّة وعندما فتحت عليهم النيران استشهد عدد منهم وسقط آخرون جرحى عندها أخذت الجموع بالهتاف (شلون سلطة يا علي بالرشاش ترمينا).
في 8 صفر 1413هـ الموافق 8/أب/1992م، أعلن عن إرتحال مرجع الطائفة وزعيم الحوزة العلميّة في النجف الأشرف السيّد أبو القاسم الخوئي رحمه الله فما كان من النظام الصدّاميّ البغيض أن اعلن الإنذار (ج) واستنفر الجيش والقوات المسلّحة بصنوفها كافة والتي يقدر عددها آنذاك آلاف مؤلفة تصل لأكثر من (مليون) مجنّد حسب إحصاءات وزارة الدفاع العراقية في حينها، فضلًا عن تشكيلات المرتزقة مثل مايسمى (بالجيش الشعبيّ وجيش القدس والفدائيين) وغيرهم من التشكيلات الإجراميّة، كما منعوا إجراءات مراسيم التشييع واعلنوا حظر التجوال في محافظات الوسط والجنوب.
أقول: كل هذه الملايين سخّرت واستنفرت من أجل منع تشييع جنازة فلا نستغرب من أن ابن زياد حشّد (30) ألفًا أمام (72) قلوبهم كزبر الحديد.
الملاحظ ان الماكنة الإعلامية الأموية بذلت كل ما بوسعها واجتهدت أشد الاجتهاد وسخرت كل طاقاتها البشرية والمادية في سبيل تضليل الناس وايهامهم وصرف انظارهم لأخلاء مسؤولية يزيد بن معاوية عن تورطه بمقتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، غير أنها لم تتطرق مطلقاً الى عدد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بالكثرة مما يعطينا دلالة واضحة أنّ الروايات الواردة بصدد أعداد أصحابه على الرغم من اختلافها الا أنها متقاربة في حقيقتها.
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي