ثمار من شجرة سيّد الشهداء عليه السلام
بقلم/ محمد طهمازي
إن الحضارة هي نتاج تكاملي للأفعال والنشاطات العقلية والطبيعية التي تميز كلا السلوكين، الجماعي والفردي، للأفراد الذين يكونون مجتمعًا ما، وتلعب البيئة الطبيعية الحاضنة دورًا مهمًا في التأثير على نوعية وتوجهات هذه النشاطات، كما يرى الألماني فرانز بواس Franz Boas 1858-1942 رائد علم الإنسان الحديث (الانثروبولوجيا)، كما تتأثر بعلاقاتهم فيما بينهم ومع غيرهم من المجموعات، ولا يفوتنا الجانب النفسي للفرد ذاته، ونتاجات هذه النشاطات ودورها في حياة المجموعة. أي أننا أمام عناصر متفاعلة فيما بينها ضمن بنية متسقة وليست مظاهر فقط.
حينما نأتي على واقعة كربلاء الحسين لا نجدها حادثة تاريخية عابرة أو مجزرة قائمة على أفعال جرمية كما تبدو في صورة المشهد بل هي الجزء الظاهر من جبل الجليد وتحته يقبع الجبل الحقيقي الضخم الممتد عميقًا في المحيط. هنالك بنيان من ثقافة قامت على الإيمان بالحق وعمدت بالدم والدموع.
لهذا نرى أن قضية الحسين لم تنته باستشهاده ولا بالحداد عليه في حينها ولا حتى بالانتقام من قتلته كما أنها لم تمت بعمليات القمع الممنهجة ومحاولات التعتيم المبرمجة فهي ليست ظاهرة سطحية الوجود بل هي منظومة قيمية وأخلاقية تتجذّر في وجدان مساحة عريضة من الناس وأن المعاني السامية المستلهمة من استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) مع ثلة خيّرة من أهل بيته وأصحابه في حالة تدفّقٍ مستمر تغذي روح الصبر والمجالدة في أتباعه وتمنحهم القوة للنهوض بعد كل كبوة.
لكن ما هو الدور التفاعلي للبيئة الطبيعية في تشكيل الرؤية الثقافية لمجتمع أتباع الحسين (عليه السلام) ؟ وماذا لو لم يكن لدينا شهيد أو شهداء ما الذي سيختلف أو يتغيّر في مسار الحياة أو عملية التغيير أو الفعل الحضاري لهذه الأمة؟! هل أن العملية تتأتى من الحاجة لمجرّد سفك الدماء وإحداث فرقعة في أرجاء البلاد أم أن للأمر بعدًا آخر أهم بكثير مما يبدو؟
يتبع ...