هو يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي البهدلي، المعروف بأبي الشعثاء، كان أحد الرجال الذين خلدهم التاريخ في واقعة الطف عام 61 هـ، حيث تحولت حياته من الانتماء لجيش الخصوم إلى الالتحاق بمعسكر الإمام الحسين (عليه السلام)، ليصبح مثالا للتحول الروحي والتضحية في سبيل المبادئ.
ينتمي أبو الشعثاء إلى قبيلة كندة اليمنية، وتحديدا إلى فرع بني بهدلة، وهي من البطون المعروفة بالشجاعة والمنعة، كان يُعرف ببراعته في الرماية والفروسية، مما أكسبه مكانة بين فرسان عصره، وكان في جيش عمر بن سعد، لكنه انقلب عليه بعد أن رفض الإمام الحسين (عليه السلام) شروط التراجع وأصر الجيش على القتال.
عندما وجه ابن زياد الحر إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وكتب إليه بكتاب ورد فيه بأن يجعجع الحر بالحسين (عليه السلام) عرف أبو الشعثاء الرسول الذي كان حاملاً لذلك الكتاب، فقال له: أ أنت مالك بن نسر البدي؟ قال مالك: نعم (وكان مالك كندي) فقال له يزيد بن زياد أبو الشعثاء ثكلتك أمك ماذا جئت فيه؟ قال مالك: وما جئت فيه! أطعت إمامي ووفيت بيعتي فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنار ألم تقرأ قول الله (وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) فهو إمامك أي ابن زياد.
في يوم عاشوراء، برز أبو الشعثاء كفارس محنك ورامٍ بارع، وبعد أن عُقِرت فرسه، جثا على ركبتيه وأطلق مئة سهم لم يخطئ منها إلا خمسة، وهو يردد: (أنا ابن بهدلة فرسان العرجلة)، فأثنى عليه الإمام الحسين (عليه السلام) ودعا له قائلًا: (اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة)، وبعد نفاد سهامه، حمل سيفه واندفع إلى ساحة القتال وهو يرتجز:
أنا يزيد وأبي مهاصر
كأنني ليث بغيل خادر
يا رب إني للحسين ناصر
ولابن سعد تارك وهاجر
خاض معركة شرسة قبل أن يسقط شهيدا(رضوان الله عليه) مضرجا بدمائه، ليدفن في أرض كربلاء المقدسة، ويخلد اسمه في صفحات التاريخ.
لقد ترك أبو الشعثاء أثرا كبيرا في الذاكرة الإسلامية، فخلده الشعراء، ومنهم الكميت الأسدي الذي قال:
ومال أبو الشعثاء أشعث دامياً
وإن أبا حَجْلٍ قتيلٌ مُحَجَّل
كما ورد اسمه في زيارة الناحية المقدسة التي تُنسب للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، حيث قال فيها: (السلام على يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي)، وهو تكريمٌ رباني يؤكد علو شأنه ومكانته، كانت قصة يزيد بن زياد درسًا خالدا في التحول من خدمة السلطة الجائرة إلى نصرة الحق، ليصبح رمزا للشجاعة والإخلاص، وجزءًا لا يتجزأ من الملحمة الخالدة التي تجسد الصراع الأبدي بين العدل والظلم.
راجع
عبد الأمير القريشي، البالغون الفتح في كربلاء-دراسة تحليلية، دار الوارث،كربلاء،2020،ج3،ط1،ص190
زين العابدين سعد عزيز