إن حقوق الراعي والرعية كانت من أولويات حكم الامام علي (عليه السلام) في فترة خلافته التي دامت خمسة سنوات وثلاث أشهر، إذ أولى أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذين الحقين أهمية كبرى على المستويين النظري والعملي وهذا ما نجده في كلماته، عندما قال: "لا يجري (الحق) لأَحدٍ إلاّ جرى عليه، ولا يجري عليه إلاّ جرى لهُ، ولو كان لأَحدٍ أَنْ يجري لهُ ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لِلَّهِ سُبحانهُ دُونَ خلقه؛ لقدرتهِ على عباده، ولعدله في كُلِّ ما جرتْ عليه صُرُوفُ قضائه، ولكنَّهُ سُبحانهُ جعل حقَّهُ على العباد أَن يطيعوهُ، وجعل جزاءهُمْ عليه مضاعفةَ الثواب تفضُّلا منهُ وتوسُّعاً بما هو من المزيد أَهله".
وكان (عليه السلام) يرى أن لهذين الحقين نتائج كبيرة وثمرات مهمة، وهذا ما أشار اليه في الخطبة التي القاها الامام علي (عليه السلام) عندما بايعوه المسلمين للخلافة، فقد قال: "وأَعظمُ ما افترض سُبحانهُ من تلك الحقوقِ حقُّ الوالي على الرَّعيَّة وحقُّ الرَّعِيَّةِ على الوالي... فليست تصلحُ الرَّعيَّةُ إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلحُ الولاةُ إلاّ بِاستقامة الرَّعِيَّةِ، فإِذا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إلى الوالي حقَّهُ، وأَدَّى الوالي إِليها حقَّها عزَّ الحقُّ بينهُمْ، وقَامتْ مناهجُ الدين، واعتدلتْ معالمُ العدل وجرتْ على أَذلالها السُّنَنُ..."
ثم يضيف امير المؤمنين (عليه السلام) "وإِذا غَلبتِ الرَّعِيَّةُ واليهَا أَو أَجحفَ الوالي برعِيَّتِهِ اختلفَتْ هُنالكَ الكلمةُ، وظهرتْ معالمُ الجور، وكثر الإِدغالُ في الدِّين، وتركَت مَحَاجُّ السُّنن، فَعُمِلَ بالهوى، وعُطِّلَتِ الأَحكامُ، وكثرتْ عللُ النّفُوس، فلا يُسْتَوْحَشُ لعظيم حقٍّ عُطِّلَ ولا لعظيم باطلٍ فُعلَ، فهنالكَ تذِلُّ الأَبْرَارُ، وتَعِزُّ الأَشرارُ، وتعظُمُ تبِعاتُ اللَّهِ سُبحانهُ عند العباد".
ومن الجدير بالذكر إن الامام علي (عليه السلام) كان يولي الشخصية الإنسانية أهتماماً كبيراً، وكان يركّز على ذلك كثيراً في الكتب والوصايا التي يزود بها عماله وولاته، ومن هذه الوصايا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) "فأَنصفُوا الناسَ من أَنفسكمْ، واصبِروا لحوائجهمْ؛ فإِنّكم خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ووكلاءُ الأُمَّةِ وسُفراءُ الأَئمة، ولا تُحْشِمُوا أَحداً عن حاجته، ولا تحبسُوهُ عن طَلِبَتِه"