ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
مفهوم الرحمة فهو أيضاً مفهوم يستهوي الإنسان بفطرته حتى تجنّبَ بعض الناس أكل الحيوانات؛ للشعور بالقسوة عليها في قتلها ولكن يتبيّن عند التأمّل أنّه ليست كلُّ رحمةٍ موافقةً للحكمة أو موصوفةً بالفضل؛ فالحكمة والفضيلة يعتمدان على ثنائيّة اللّين والحزم، ولكلٍّ موضعُه، فمن أفرط في الشعور الرحيم بالطفل أو التلميذ في مقام تربيته، وتغاضى عن بعض وجوه تقصيره، كان لذلك مضارّ تربوية على هذا الطفل أو التلميذ نفسه من حيث إغرائه بسلوكه وعلى سائر الأطفال والتلاميذ من حيث انطفاء داعيهم إلى التميز في السلوك الصحيح. ومن هذا القبيل تجنّب أكل الحيوانات رحمة بها؛ فإنّ تأمُّلَ سنن الخلقة يهدي إلى أنّ بعضها خلقت لتكون طعاماً للبعض الآخر. نعم، هذا لا ينافي تجنّب الإنسانِ القسوةَ في مقام ذبحها والانتفاع بها، كما هو غاية جملة من الآداب الشرعية الواردة لذبح الحيوان.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص165.