من قلب معقل الثورة الحسينية، دوّى صوت العراق الوطني الكبير، معلناً انطلاق ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، فكانت كربلاء، بعنفوانها الديني والوطني، المنارة الأولى التي أضاءت طريق الانتفاضة حتى عمّت أرجاء مدن الفرات الأوسط.
ولم يكن الشعر بعيداً عن نيران الثورة؛ بل كان وقودها وروحها، فمع اشتعال جذوة الغضب الشعبي، اندفع شعراء كربلاء إلى ميادين المعترك السياسي، مساهمين في صياغة وعي وطني جديد.
وكانت فتوى الإمام الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي (قدس سره)، زعيم الثورة العراقية، بإعلان الجهاد المقدس ضد الاستعمار وتحريم طاعته، هي الشرارة الكبرى التي أذكت حماس الجماهير وأشعلت مشاعرهم القومية.
هذا وقد برز في طليعة الأدباء الثوريين آنذاك، الشاعر الشيخ محمد حسن أبو المحاسن الكربلائي، وزير المعارف لاحقاً، والذي ألهب النفوس بقصائده الحماسية وأوقد جذوة الكفاح بين أبناء وطنه ومنها قصيدته (العزم الثائر) التي مزج فيه بين الدعوة إلى حمل السيف وبين الفخر بنفسه وبقومه، حيث كان مطلعها:
لنفــسي هـاد للعــلى ودليـــلُ
وللعــز منــي صــاحب وخليلُ
كما لم يتوقف عطاء هذا الأديب الثائر عند حدود القلم، بل دفع ثمن مواقفه باعتقاله مع كوكبة من مجاهدي كربلاء في معتقليّ الهندية والحلة.
لكن جذوة الثورة لم تخمد، فقد امتدت شرارتها إلى أحداث وطنية لاحقة، مثل ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، ووثبة عام 1948م التي ارتفعت فيها قضية فلسطين كعنوان بارز للنضال القومي والديني معاً، ففي تلك اللحظات، سخّر شعراء كربلاء أقلامهم دفاعاً عن قضايا الأمة، مجندين الشعر كسلاح في وجه الاستعمار والصهيونية.
ومع تصاعد الاحداث، بدءاً من انتفاضة تشرين 1952م، إلى التصدي للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وصولاً إلى بزوغ فجر 14 تموز 1958م، ظل شعراء كربلاء في طليعة الذين خطّوا ملاحم الوطنية والمقاومة بالكلمات قبل السلاح.
لقد كان وجود المستعمرين فوق أرض العراق دافعاً قوياً لإذكاء الوعي السياسي والشعور القومي لدى الأدباء والشعراء، كما أن مظالم العهد العثماني الجائر، قد أسهمت هي الأخرى في ترسيخ الروح الثورية، حتى لم تعد كربلاء موئل الشهادة فحسب، وإنما مهداً للصحوة الوطنية التي ألهبت مشاعر العرب في كل زمان ومكان.
المصدر: الوطنية في شعر كربلاء، تأليف توفيق حسن العطار، ص12-13.