حرفة التنكجية من الحرف التقليدية التي اشتهر بها العراقيون، وهي تعتمد على إعادة تشكيل الصفائح المعدنية (التنك) لصناعة أدوات منزلية ومعدات مختلفة. تشمل هذه الصناعة التنور المعدني، خزانات المياه، المبردات، مداخن المطاعم والأفران، شوايات السمك، وغيرها من الأدوات التي كانت تُستخدم في الحياة اليومية. كان لهذه الحرفة سوق خاص في الماضي يقع بمحاذاة شارع علي الأكبر، لكنه لاحقًا تحول إلى سوق السراجين، حيث تجمع فيه الحرفيون لعرض وبيع منتجاتهم.
بدأت هذه الحرفة بالانتشار نتيجة توفر الصفائح المعدنية التي كانت تُستخدم لتعبئة البنزين والنفط الأبيض، حيث لم تكن محطات تعبئة الوقود متوفرة في ذلك الوقت. كما كانت بعض المواد الغذائية مثل الدبس والسمن تُستورد داخل هذه الصفائح، مما دفع بعض الحرفيين إلى إعادة استخدامها وتحويلها إلى أدوات منزلية مفيدة. ونظرًا لما يتميز به العراقيون من قدرة على استثمار الموارد المتاحة، برع التنكجية في تحويل هذه الصفائح إلى منتجات تلبي احتياجات الناس المختلفة.
كانت المنتجات التي يصنعها التنكجية تشمل العديد من الأدوات الأساسية، مثل المحكان (القيف) بأحجام متعددة لنقل السوائل، وعبوات الكيل التي تُستخدم لقياس المواد السائلة مثل النفط والسمن. كما تضمنت صناعاتهم المحصلات (دخل) التي شجعت الأطفال على الادخار، واللمبات النقطية التي كانت تُستخدم للإنارة، والعلب المعدنية ذات الأغطية بأحجام مختلفة لحفظ المواد، بالإضافة إلى ذلك، كان التنكجية يصنعون مضخات يدوية تُستخدم لسحب النفط من الصفائح، ويقدمون خدمة غلق فتحات الصفائح بمادة اللحيم القلاي لمن يرغب في إعادة استخدامها لتعبئة مواد أخرى مثل السمن أو الدبس.
إلى جانب هذه الصناعات، كان التنكجية ينتجون المناقل المعدنية، التي كانت تُستخدم للتدفئة في الشتاء أو لشواء اللحوم، والتي كانت تُعتبر من الأدوات الأساسية في البيوت العراقية. ومع تطور الصناعة، دخلت صفائح الألمنيوم إلى هذه الحرفة، مما أدى إلى توسعها لتشمل صناعة أدوات منزلية أخرى مثل القدور والكاسات والأباريق والطشوت والخزانات، بالإضافة إلى المبردات ومداخن المطاعم والأفران، كان الحرفيون يستخدمون المطرقة نفسها التي يعتمد عليها الصفارون في تشكيل الأواني النحاسية، مما جعل الحرفتين متقاربتين من حيث طبيعة العمل.
مع مرور الوقت، واجهت حرفة التنكجية تحديات عديدة أدت إلى تراجعها، وكان من أبرز هذه التحديات ارتفاع أسعار النحاس، مما دفع العديد من الصفارين إلى التحول إلى صناعة التنك مستفيدين من مهاراتهم السابقة. على سبيل المثال، ارتفع سعر القدر المصنوع من الفافون إلى 125 ألف دينار عراقي، بينما وصل سعر نظيره المصنوع من النحاس إلى مليون ونصف دينار، مما جعل المنتجات النحاسية أقل طلبًا. هذا التحول أدى إلى انتقال بعض الحرفيين من الصفارة إلى التنكجية، خاصة أن الحرفتين تتشابهان من حيث تقنيات العمل وأدوات التصنيع.
مع تطور الصناعة الحديثة، بدأت البدائل البلاستيكية والمعدنية الأرخص تُحل محل المنتجات التقليدية المصنوعة من التنك، مما أدى إلى تراجع الطلب على هذه الحرفة. كما أن المناقل التي كان يصنعها التنكجية أصبحت تُنتج من الحديد أو البرونز، بينما أصبح أقلها جودة وأرخصها ثمنًا يُصنع من مادة الجينكو، وعلى الرغم من هذا التراجع، لا تزال بعض المحلات التي تعمل في هذه الحرفة موجودة، خصوصًا في مناطق مثل باب طويريج ومحلة العباسية، حيث ما زال هناك طلب على بعض المنتجات مثل التنانير وخزانات المياه وبعض الأدوات الأخرى.
رغم أن حرفة التنكجية كانت في الماضي جزءًا أساسيًا من الحياة العراقية، إلا أنها اليوم تواجه خطر الاندثار بسبب توفر البدائل الحديثة.
المصدر
الحرف والصناعات اليدوية في كربلاء المقدسة،تأليف وإصدار مركز كربلاء للدراسات والبحوث،2023،ط1،ص209