نشر موقع "أماليا Amaliah" البحثي العالمي المتخصص بشؤون المرأة المسلمة، مقالاً إفتتاحياً بقلم باحثة أمريكية عن مشاعرها وإنطباعاتها الشخصية حول مشاركتها للمرة الأولى في مراسيم إحياء أربعينية إستشهاد الإمام الحسين بن علي "عليهما السلام" بمدينة كربلاء المقدسة.
وقال الموقع في مقاله المعنون بـ "لماذا نسير: إنعكاس إجتماعي على مسيرة الأربعين"، للباحثة في مجال أبحاث البيولوجيا الخلوية والجزيئية والأنشطة الإنسانية والتعليمية، "زهرة جعفري"، إن "مسيرة الأربعين تعدّ أكبر تجمع سنوي عالمي في تاريخ البشرية، يشق من خلالها أكثر من (21) مليون شخص قدموا من حوالي (40) دولة حول العالم، طريقهم إلى العراق لبدء رحلة طولها (50) ميلاً من مدينة النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة بهدف إحياء ذكرى مرور (40) يوماً على إستشهاد حفيد نبي الإسلام، الإمام الحسين (صلوات الله عليهما) وأهل بيته وأصاحبه على يد الطاغية الأموي يزيد الأول في عام 680 م بعد رفض الإمام (عليه السلام) مبايعة الأخير كحاكم شرعي للمسلمين".
وتابع المقال الذي ترجم مضامينه مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، أن "كتاب (نموذج كربلاء) لعالم الأنثروبولوجيا (مايكل فيشر)، يوضّح كيف كانت عاشوراء حدثاً إستحوذ على مجموعة قوية من المُثل، بما في ذلك العدالة الإجتماعية والأخلاق والحق على الرغم من الفساد السائد آنذاك، وأن إحياء هذه الذكرى ليس مجرد حداد سلبي على الإمام الحسين (عليه السلام)، وإنما بالأحرى، قتالاً فاعلاً من أجل إحياء المثل العليا التي دافع عنها"، مضيفاً أن "الكتاب ناقش كيف أن فعل إحياء ذكرى عاشوراء هو حركة اجتماعية، وليس التزاماً فردياً أو شخصياً، حيث تعدّ زيارة الأربعين هي تجسيد لـ (نموذج كربلاء) من قبل أولئك الذين يسعون للإقتداء برسالة الإمام الحسين في حياتهم الخاصة".
وتساءلت "جعفري" في سياق مقالها، عن السبب الذي يدفع ملايين الأشخاص الى السفر من جميع أنحاء العالم لأداء مسيرة طويلة مشياً على الأقدام نحو مكان واحد، مشيرةً الى أن "الإجابة تكمن في إظهار حبهم وولائهم وشغفهم تجاه سيد الشهداء (عليه السلام) والمُثُل العليا التي دافع عنها، وإن وقوفه ضد الإضطهاد السائد في عصره، يلهم هؤلاء الملايين للسير على خطاه، بل ويتعدى الأمر الى أبعد من ذلك، فإنهم يمشون لأنفسهم، لإحياء مبادئ النضال والتفاني والإيثار، ففي هذه المسيرة، تجد التنوير، والتقدم، والنمو".
وأشارت الكاتبة الى أنها شهدت خلال مشاركتها شخصياً في زيارة الأربعين، مواكب العزاء التي تقدم جميع وسائل الراحة المجانية لمن يحتاجها، بما فيها وجبات الطعام الطازجة، وأماكن الراحة، وحتى الخدمات الطبية، لتجد أكثر من (21) مليون شخصاً يتغذون ويسكنون ويخلدون الى الراحة في بلد مزقته الحروب، مؤكدةً إن "تحقيق هذا الأمر على نطاق واسع لهو أمر رائع، وإن الأرقام المعلنة هذا العام تتحدث عن نفسها، حيث تم توزيع أكثر من (4.4) مليون وجبة طعام، و(19.8) مليون كوب ماء داخل المدينة فقط على يد أكثر من (16،000) متطوع، مما يجعل منه من غير المفهوم، الإعتقاد بأن بلداً ذو بنية تحتية ضعيفة نسبياً، قادر على تلبية إحتياجات زوار يزيد عددهم عن نصف سكانه وبصورة مجانية بالكامل".
وتذكر الباحثة الفائزة بالمرتبة الثانية عالمياً في أبحاث البيولوجيا الخلوية والجزيئية من معرض "ريجينيرون" الدولي للعلوم والهندسة لعام 2022 والمقام في ولاية "جورجيا" الأمريكية، أنها "شاهدت (معرض الإيثار) هذا لدى مشاركتها في هذا الحدث المليوني، حيث كان الهواء نقياً في ظل جوٍ يتمتع بهدوء لا يُنسى حتى مع وجود هذا العدد الكبير من الأشخاص"، مبديةً إعجابها بأولى لحظة تشهد فيها الكرم العراقي عندما قدّم لها صبي عراقي لا يتجاوز العاشرة من عمره، كوباً من الشاي الساخن رغم أن مظهر ملابسه لا يدل على حالته الاجتماعية المترفة، متبوعاً بطفل آخر عرض عليها شطيرة (شاورما) طازجة، وقفت عندها الباحثة في حالة رهبة من الكرم المطلق الذي يمتلكه هؤلاء الأطفال تجاه أناس أغراب بالكامل".
وأضافت كاتبة المقال، أنها "إلتقت خلال زيارة الأربعين بأطباء مرموقين تركوا عملهم في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها، من أجل لتطوع في مراسيم هذه الزيارة، فيما تولّى آخرون تقديم كافة الخدمات لأشخاص لم يجلبوا معهم سوى الملابس التي تستر أجسادهم، مما خلق لديها تعريفاً وتصوراً جديدين تماماً لشعيرة المشي وأضافت إليها جاذبية جديدة أكّدت لها كيف أن كربلاء هي حدث نادر لم يضيع أو يضعف بمرور الوقت، وإن دروسها تتجلى في هذه التجارب الملموسة التي تهدف إلى تمثيل أفضل ما في البشرية من صفات، لتكون حقاً تجربة سريالية".