رغم مناخها المعروف بجفافه، تحتضن كربلاء لوحة نباتية طبيعية تعكس التفاعل العميق بين الأرض والسماء، فالنبات الطبيعي في هذه المدينة لا يُعد مجرد غطاء أخضر عابر، بل هو نتاج مباشر لملامح المناخ والتربة، وتجلٍّ حيّ لعلاقة جغرافية دقيقة ترسمها درجات الحرارة وكميات الأمطار.
وبحسب موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، تسيطر النباتات الصحراوية على المشهد الطبيعي في الجهات الغربية والجنوبية الغربية من محافظة كربلاء، حيث أثبتت هذه الأنواع البرية، قدرتها على الصمود في وجه المناخ القاسي، لتتحول إلى خطوط دفاع خضراء في معركة مستمرة مع التصحر وزحف الرمال.
ولتقوية هذا الحضور، تمت زراعة أنواع كأشجار "الصفصاف" و"اليوكالبتوز"، لتُشكّل حزاماً أخضراً يعانق المدينة من جهاتها الضعيفة بيئياً، في مشروع بيئي استراتيجي يستهدف حماية التربة وتحسين جودة الهواء وفقاً للمحور الجغرافي من الموسوعة.
أما في شمال وشمال شرق المحافظة، فالوضع مختلف تماماً، حيث تنتشر البساتين المنظمة المزروعة بأشجار الفاكهة والخضروات التي يديرها الفلاحون بعناية، مستفيدين من التربة الخصبة والمياه الجوفية.
إلى جانب ذلك، يظهر نوع آخر من النبات الطبيعي يتمثل في النباتات الحولية كالبريسم، والشوفان، والدوسر، والشعير البري، والتي تنمو في مواسم محددة وخاصةً في الربيع والشتاء، وتزدهر على امتداد الطرق والمناطق المفتوحة التي تحوّلت بمرور الوقت إلى مساحات ترفيهية لسكان المدينة.
يوثّق الغطاء النباتي في كربلاء قصة صمود طبيعي وإنساني، تتداخل فيها جهود الفلاحين ومشاريع التخضير، مع قوة البيئة الصحراوية، كرسالة خضراء تؤكد أن كربلاء ليست فقط مدينة مقدسة، بل هي أيضاً إقليم يُجيد كتابة تاريخه بلغة الشجر والعشب والنبات.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص51-52.