في رحلةٍ شاقة، تسير بخُطى الباحثين وتُضيء الدرب أمام المؤرخين، يواصل مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة مشروعه الطموح لاستخراج الوثائق العثمانية التي توثّق تاريخ مدينة كربلاء وتوابعها الإدارية خلال الحقبة العثمانية، التي امتدت لأربعة قرون من الزمن.
فالوثيقة، كما يؤكد الباحثون، ليست مجرد ورقة قديمة، بل هي صوت التاريخ والقول الفصل في سرد أحداثٍ ما تزال شائكة حتى يومنا هذا.
ومن هنا جاء حرص المركز، وبدعم مباشر من المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي "دام عزه"، على إرسال وفد علمي إلى دائرة الأرشيف العثماني في إسطنبول، في خطوة تُعد الأولى من نوعها في العراق على هذا المستوى من الدقة والاحتراف.
وقد تمكّن الفريق من إستحصال أكثر من (3000) وثيقة عثمانية أصلية تتعلق بمدينة كربلاء المقدسة، مما يشكّل كنزاً علمياً حقيقياً لدارسي التاريخ العراقي.
في عام 2016م، خرجت إلى النور سلسلة وثائقية أعدها المركز، تحت عنوان "كربلاء وتوابعها في وثائق الأرشيف العثماني"، حيث تحتوي على آلاف الوثائق العثمانية النادرة، جاعلاً منها مرجعاً أكاديمياً متكاملاً للباحثين وطلبة الدراسات العليا في تخصصات التاريخ، والسياسة، والجغرافيا التاريخية.
لم يأتِ هذا المشروع من فراغ، بل جاء رداً على كمٍّ كبير من المغالطات التي دسّها بعض المؤرخين في سرد أحداث الدولة العثمانية في العراق، ولذا فإن هذا التوثيق المعتمد على المصدر الأصلي (الوثيقة) هو مشروع علمي رصين يفتح الباب أمام البحوث الأكاديمية لمراجعة السرديات التاريخية بعيون نقدية موثّقة.