في كل لحظة يستحضر فيها الضمير الإنساني صور البطولة والصفاء، لا بد أن تتصدر كربلاء المشهد، حيث سُطّرت أروع ملحمة للفداء والولاء والصدق المطلق مع الحق، والتي جسّدها نخبة من النخبة، رجال لا يُعرف لهم مثيل في صدق النية وصفاء القصد، هم ثلّة من أصحاب الإمام الحسين "عليه السلام" ممن كانوا ولا زالوا النموذج الأرقى للإنسانية في زمن اختلطت فيه القيم بالمصالح.
هي كلمات لقد نطقها الإمام الحسين في مشهدٍ كتبت حروفه بمداد من نور، "أما بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً...".
بهذه الكلمات وضع سيد الشهداء "عليه السلام" ختم الشهادة على قلوب رفاقه، الذين لم يكتفوا بالصمود، بل أبدعوا في تصدير صورة المقاتل النقيّ، الذي لا تغريه الحياة ولا تُخيفه الحتوف.
كانوا قلّة، لكنهم حملوا على عواتقهم صدى الرسالة، فمسلم بن عوسجة الأسدي، الصحابي الجليل، يُجيب الإمام بكلمات تخرق الزمن، "والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي...".
فيما يختصر "سعيد بن عبد الله الحنفي"، معنى الثبات حين يقول، "والله لو علمت أني أُقتل ثم أُحيا ثم أُحرق ثم أُذرى، ويُفعل بي ذلك سبعين مرة، ما فارقتك".
أما "زهير بن القين" فكان مشروع شهادة يتمنى أن يُقتل ألف مرة في سبيل ريحانة رسول الله "صلوات الله عليهما".
وينقل ابن أبي الحديد مشهداً صادماً لرجل من جيش ابن سعد، يُسأل بعد الواقعة، "أقتلتم ذرية رسول الله؟"، فيرد، "لو شهدتَ ما شهدنا لفعلتَ ما فعلنا، لقد ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأنهم الأسود الضارية، لا يقبلون الأمان، ولا يرغبون في المال...".
وفي زحمة ما كُتب عنهم، بقي الكثير مما يُفترض أن يُكتشف، إذ وقع كثير من الكتّاب في فخ التكرار أو العاطفة المفرطة دون تحليل دقيق لسير هؤلاء العمالقة، مما أدى إلى تضارب في الأنساب والكُنى والروايات، ولذلك، فإن البحث العلمي الجاد والمنهجي حولهم لم يعد خياراً، بل ضرورة معرفية وثقافية ملحّة.
المصدر: موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، النهضة الحسينية، ج4، ص33-35.