ضمن سلسلة جهوده لتوثيق العلماء الأعلام ممن أغنوا التراث الشيعي فقهاً وأصولاً، يسلّط مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، الضوء على شخصية علمية بارزة طبعت بصمتها في محطات الفقه والعرفان والقيادة الدينية، ممثلةً بالشيخ محمد علي بن محمد باقر البهبهاني الحائري الكربلائي (1144 – 1211هـ / 1732 – 1801م).
ولد الشيخ البهبهاني في مدينة "بهبهان" الإيرانية سنة 1144هـ، ونشأ في كنف أسرة علمية عريقة، فكان أول أساتذته والده العلامة محمد باقر، والذي انتقل برفقته إلى كربلاء المقدسة، حيث تتلمذ على يد الشيخ يوسف البحراني والسيد حسين الموسوي الخوانساري وغيرهم من كبار العلماء، في بيئة علمية مشبعة بروح الفقه والأصول والمنطق والكلام.
وبعد سنوات من الدراسة والتأليف، توجه البهبهاني إلى مكة المكرمة حيث أقام عامين ودرّس فيها، ليعود مجدداً إلى العراق متنقلاً بين كربلاء والكاظمية، ليواصل بعدها دراسته وتدريسه حتى سنة الطاعون التي ضربت العراق، فهاجر منه إلى إيران حيث استقر في مدينة كرمانشاه.
وفي هذه المدينة، لمع نجمه وأصبح إماماً للجمعة والجماعة، وعالماً مرجعياً يُقصد من أرجاء البلاد، وأستاذاً متقناً في العلوم العقلية والنقلية، ولاقت مكانته الإجلال والتقدير من الخاص والعام، حتى غدت كرمانشاه في عهده من الحواضر العلمية المعتبرة.
ترك الشيخ محمد علي البهبهاني إرثاً علمياً متنوعاً، يتوزع بين الفقه، والأصول، والردود العقدية، وشروح الكتب المعتمدة، فكان من أبرز آثاره "خمس رسائل في مناسك الحج"، و"حاشية على مدارك الأحكام"، و"قطع المقال في رد أهل الضلال"، فضلاً عن "شرح مفاتيح الشرائع"، و"مقامع الفضل"، وغيرها من الكنوز العلمية المعتبرة.
توفي الشيخ البهبهاني سنة 1211هـ في كرمانشاه، ودفن خارج المدينة في مكان بات يُعرف إلى اليوم باسم "سرّ قبر آغا"، الذي يزوره الناس تبركاً ووفاءً لهذا العالم الجليل.
هذا ولم تغفل كتب التراجم والموسوعات الفقهية عن ذكر الشيخ البهبهاني، فقد وردت ترجمته في "معجم المؤلفين"، و"روضات الجنات"، و"موسوعة طبقات الفقهاء"، إلى جانب "موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة" الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث.
تمثل هذه الشخصية همزة وصل حقيقية بين المدرسة الحوزوية العراقية، والأنساق العلمية في المجتمع الإيراني خلال العصر القاجاري، وتُعد نموذجاً للفقيه الموسوعي الذي جمع بين الرواية والدراية، وبين الإصلاح الديني والحضور الاجتماعي الفاعل.
المصدر: وثائق الحوزة العلمية في كربلاء منذ نشوئها حتى عام 1444هـ / 2023م، د. كامل سلمان الجبوري، ج1، ص139.