شهدت مدينة كربلاء منذ أوائل القرن الرابع الهجري انتشاراً واسعاً للمكتبات العامة والخاصة، وهو ما يعكس دورها البارز في إثراء الثقافة الإسلامية، وقد ازدهرت هذه الظاهرة مع تطور الطباعة الحديثة التي جعلت اقتناء الكتب أمرا ميسوراً، غير أن تاريخ المكتبات في كربلاء يعود إلى زمن أسبق، إذ وُجدت في أواخر القرن الثاني عشر والنصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري مكتبات علمية قيمة ونفيسة، احتوت على مخطوطات نادرة وكتب أثرية ذات قيمة تاريخية عالية.
كانت كربلاء، بطابعها العلمي والديني المتميز، مصدراً لإغناء الثقافة الإسلامية من خلال حوزتها الدينية ومجالسها الأدبية والشعرية، وقد أُنتجت في هذه المدينة العديد من الروائع الأدبية والموسوعات العلمية التي تم طبع البعض منها ، والأخرى مخطوطات نادرة ظلت تقاوم عاديات الزمن وتخلد إرثها العلمي والثقافي.
رغم النكبات والهجمات التي تعرضت لها كربلاء عبر تاريخها، وما خلفته من تخريب ونهب للمكتبات، استطاعت المدينة الاحتفاظ بجزء كبير من تراثها الثقافي. ظلت مكتباتها عامرة بالمخطوطات والكتب المطبوعة ذات القيمة الحضارية، مما يؤكد مكانتها العلمية المرموقة
في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري، شهدت كربلاء انتشارًا واسعًا للمكتبات الخاصة، ما يعكس اهتمام أهلها، خاصة الشباب والطلاب، بالقراءة واقتناء الكتب. وبرزت لدى العلماء والخطباء وطلاب العلوم الدينية رغبة قوية في جمع الكتب، حتى أن البعض أسس مكتبات جديدة بعد انتقالهم إلى إيران، حيث اعتُبرت الكتب كنوزًا ثمينة تستحق العناية والاحتفاظ.
ارتبطت الكتب في كربلاء بالقيمة العلمية والفكرية، وكانت دليلا على ذوق صاحبها ومنهجه الفكري،كان اقتناء الكتب، بغض النظر عن موضوعاتها، مؤشرا على الثراء الثقافي والعلمي، فالكتب تشد الإنسان إلى القراءة والتصفح، ولو بصورة سريعة، ما يثري معرفته ويضيف إلى مخزونه الفكري.
ومع مرور الزمن، اندثرت العديد من المكتبات الخاصة في كربلاء بسبب عوامل عديدة، منها الهجرات، وعبث الزمن، وتوزيع محتوياتها على مكتبات أخرى لا تزال قائمة حتى اليوم، غير أن الحديث عن هذه المكتبات يعيد التأكيد على مكانة كربلاء الريادية في الميادين العلمية والثقافية، فالكتب بما تضمه من علوم وآداب وفنون هي رمز للحضارة والمعرفة، وكما أن المال رمز للثراء المادي، فإن الكتب الكثيرة رمز للغنى الثقافي والعلمي، وقد ظلت كربلاء، بمكتباتها وتراثها، شاهدة على عراقة تاريخها وإسهامها الحضاري.
وسننشر لاحقاً المكتبات الكربلائية وارثها الثقافي والحضاري