اهتم الرحالة الأجانب بمدن العراق كافة أثناء زياراتهم المتكررة اليها، إلا أنهم أعطوا اهتماما كبيرا لمدينة كربلاء المقدسة، وصوروا جوانبا مهمة من الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية في المدينة، وإن كانت بعض أقوالهم غير صحيحة. ومهما يكن من أمر فأنهم تركوا لنا مذکرات وتقارير و حکایات وانطباعات شخصية كثيرة لا تخلو من الفائدة، وقد تشكل منظومة متكاملة من المعرفة عن تاريخ وحضارة هذه المدينة المقدسة.
وكان من بينهم الرحالة البرتغالي (بيدرو تكسيرا) الذي زار كربلاء عام 1013 هـ، حيث وصلت قافلة (تکسیرا) إلى كربلاء في الرابع والعشرين من أيلول 1604، وحلت في أحد الخانات التي كان تشییدها يعد من أعمال البر والخير، ويذكر أن کربلاء، التي كان يسميها (مشهد الحسين) تشتمل على أربعة آلاف بیت معظمها من البيوت المتآكلة، وأغلب سكانها من العرب والبعض منهم من الإيرانيين، وكان الأتراك يعينون للإشراف على مناطقها، غير أنهم جميعا كانوا قد انسحبوا يومذاك إلى بغداد بسبب اشتداد وطأة الحرب مع الايرانيين، فأدى هذا إلى رحيل الإيرانيين أيضا لشعورهم بالقلق والارتباك.
يذكر الرحالة البرتغالي أن أسواق كربلاء كانت مبنية بشكل متقن بالطابوق، ومشحونة بالحاجات والسلع التجارية، لكثرة تردد الناس إليها من المدن والقرى القريبة، وبعد أن يصف مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) وكثرة الزوار المسلمين الذين يفدون لزيارته من أنحاء العالم، لفت نظره السقاة الذين يقدمون الماء للناس في سبيل الله، طلبا للثواب وإحياء لذكرى الإمام الذي قتل ظمآنا في هذه البقعة من الأرض، يحكى أن السقاة كانوا يدورون بقربهم الجلدية المليئة بالماء، وهم يحملون طاسات النحاس المزركشة، ثم يشير إلى تيسر الأرزاق ورخصها، وتوفر الحبوب والأغذية بكثرة كالحنطة والرز والشعير والخضروات والفواكه واللحوم وغيرها.
أعجب (تکسیرا) بمناخ کربلاء، فوصفه بأنه أحسن من المدن العراقية الأخرى التي شاهدها، ووجد في المدينة المقدسة عددا من الآبار العامة المشتملة على الماء العذب وكثيرا من الأشجار، وبينها أنواع تشبه بعض الفواكه الأوربية، وكانت الأراضي فيها تسقى من جدول خاص يتفرع من الفرات الذي يبعد عن البلدة بثمانية فراسخ، وكان هناك بالإضافة إلى ذلك عدد كبير من الأغنام والماشية التي شاهدها ترعى في المناطق المجاورة للمدينة، وفي نهايتها من جهة الفرات كان ثمة بركتان كبيرتان من الماء.
المصدر: السيد سلمان هادي آل طعمة، كربلاء في مدونات الرحالة والاعلام، ص20.