من المقطوع به أن عقيل بن أبي طالب مع حيطته بأنساب العرب ومواقع المآثر وإيمانه بتلكم الدروس الراقية لم يختر لنطفته إلّا محلاً لائقا تتعدّاه كلّ غميزة وتقترب منه الفضيلة، ويشهد له وقفة أولاده بمشهد الطف يوم التطمت أمواج الضلال وتحزّبت عُصب الشرك على سيد شباب أهل الجنة، وقطعوا عنه خطوط المدد وحالوا دون الوسائل الحيوية حتى الماء المباح لعامة الحيوانات؛ يريدون بذلك استئصال شأفة النبوّة فكتبوا بدمائهم الزاكية أسطراً نوريّة على جبهة الدهر تقرؤها الأجيال المتعاقبة ، ويتعرفون منها مناهج موتة العزِّ والحياة مع الظالمين ذميمة وبرما.
بين هذه وتلك كان مسلم بن عقيل (عليه السلام) ألقاً وضّاءً للحقّ وشخصية بارزة للدين والهدى متأهِّلا لحمل أعباء النيابة الخاصة عن حجّة الوقت؛ ولذلك اختاره لها سيّد الشهداء (عليه السلام) من بين ذويه وحشده الأطايب، فظهر مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القريشي والذي ولدَ في المدينة المنورة سنة (22 هـ) على أرجح الأقوال، وتزوج من ابنه عمه الإمام علي (عليه السلام) أمير المؤمنين، وكانَ محارباً فذاً، وإن الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) لم يُشرّف أحدا بالولاية إلّا وهو يعلم بأنه يمضي في أمره كالحديدة المحماة، وإنّا لا نشكّ في أن سيد الشهداء لم يُرسل مسلماً والياً من قبله، ويزيّنه بتلك الرتبة العظيمة، ثمّ يشفع ذلك بتشريف الأخوّة له التي هي أخوّة العلم والدين، وأنه ثقته من أهل بيته، إلّا وهو يعلم بأنه في كلّ أدوار حياته منذ نشأته إلى حين تأهّله لهذه الزعامة الكبرى رجل العلم والتّقى، رجل العقل والسياسة، رجل الأخلاق والإيمان.
فسلام الله على مسلم بن عقيل الشهيد الخالد يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حياً، شاكياً بين يدي خالقه ظلم العتاة المردة وأيمّة الجور والعدوان والعاقبة للمتقين، والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة والسلام على نبيّنا الأكرم الأمين.