في العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 للهجرة، الموافق للعاشر من تشرين الأول سنة 680 ميلادية، استشهد الإمام الحسين بن علي "عليهما السلام"، في واحدة من أكثر الثورات الإنسانية خلوداً في التاريخ، ثورة خرج فيها لا طلباً لملك، ولا رغبةً في حكم، بل إصلاحاً في أمة جدّه النبي محمد "صلى الله عليه وآله"، حيث أعلن حينها عن دوافعه بصراحة أخلاقية هزّت ضمير التاريخ، قائلاً:
"إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب".
وعلى الرغم من أن جذور الثورة الحسينية تنبع من بيئة إسلامية صرف، إلا أن صداها بلغ أبعد من ذلك، ليطرق آذان المستشرقين والمفكرين الغربيين، والذين انقسمت رؤيتهم بين من فَهِمَ جوهر الصراع، ومن أساء تفسيره ضمن قوالب صراعية بين المدن والقبائل.
من بين أبرز أولئك المستشرقين، الكاتب الإنكليزي "هنري سانت لورنس موس" الذي أشار في حديثه عن أسباب سقوط الدولة الأموية، إلى دور المسلمين الشيعة، الذين اعتبرهم ألدّ أعداء تلك الدولة، وأن الكوفة التي كانت عاصمة لخلافة الإمام علي القصيرة، لم تنسَ هذه الذكرى، مما فاقم مشاعر الكراهية تجاه الشام وأموييها.
وبرأي المستشرق، فإن إستشهاد الإمام علي وابنه الحسين "عليهما السلام" كان دفاعاً عن الكوفة ضد بلاد الشام، متغافلاً عن الأبعاد العقائدية والإصلاحية العميقة التي حملتها الثورة الحسينية، فسقط في فخ التفسير الجغرافي/القبلي، الذي يشبّه فيه الصراع بصراعات شعوب اليونان والرومان، غافلًا عن أن الإمام الحسين لم يكن يقاتل من أجل مدينة بل من أجل مبدأ.
هذا الفهم المحدود ناتج "كما يبدو" عن جهل "موس" وجيله من المستشرقين بطبيعة المشروع الأموي القائم على تحويل الإسلام إلى ملك وراثي، وليس دين عدل وشورى، فالخلاف لم يكن بين أهل الشام وأهل العراق، بل بين من يريد حماية جوهر الإسلام، ومن أراد تشويهه خدمةً للمُلك.
وكان معاوية نفسه قد أعلن عن هذا المشروع البغيض، بقوله "أنا أول الملوك"، متعارضاً بصورة فجّة مع فلسفة الحكم الإسلامي التي ترفض التوريث والاستبداد، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بالقول ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ (النمل: 34).
وعلى الرغم من هذا التباس، فقد أنصف "موس"، الإمام الحسين "عليه السلام" حين قال إن استشهاده "مع أبيه"، قد رفعه إلى مصاف الشهداء والصديقين، وهذا – كما أشار المستشرق– هو جوهر الموقف الحسيني الراسخ، فقد صار رمزاً للعدل الإلهي، والوفاء الإنساني، والشهادة الخالدة.
لقد فَهِم "موس" وإن كان هذا الفهم متأخراً، أن الحق في الخلافة لم يكن لجغرافيا محددة أو قبلية متوارثة، بل لنهج اختاره الله لنخبة نقية من آل بيت النبوة، وهو ما أُعلن صراحة في يوم الغدير، حين بايع المسلمون الإمام علي "عليه السلام" بأمر إلهي صريح.
ومما أكّدته كتب التأريخ، إن شهادة الإمام الحسين لم تكن معركة سياسية، بل لحظة اختبار تاريخي للأمة، ونداء أخلاقي لا يزال يتردّد في ضمير الأحرار في كل عصر، وعلى الرغم من تأخر الغرب في فهم هذا المشهد، إلا أن بعض المستشرقين – بوعي أو دون وعي – قد سجّلوا شهادات تعزز خلود هذه الثورة، التي ستبقى إلى الأبد عنواناً للكرامة والعدل والإصلاح.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، النهضة الحسينية، 2020، ج8، ص14-17.