كان المتوكّل شديد البغض لأمير المؤمنين وأبنائه (عليهم السلام)، وقد دفع به هذا البغض الشديد إلى الاعتداء على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) فأمر يهدمه ومخره وكربه وزرعه أربع مرات في مدة حكمه ما بين عام 232 وعام 247 هـ.
وما يثير الدهشة والذهول لفظاعته، أنّ الهدم الأول في شعبان سنة 233 هـ، كان سببه على ما رواه أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين)، أنّ: "بعض القينات (القينة هي المغنية والأمة البيضاء) كانت تبعث بجواريها إلى المتوكل قبل الخلافة يغنين له إذا شرب، فلما بعث إلى تلك القينة فعرف أنّها غائبة، وكانت قد زارت قبر الحسين (عليه السلام)، وبلغها خبره، فأسرعت في الرجوع وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها. فقال لها: أين کنتم؟ قالت خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها. وكان ذلك في شعبان. فقال: أين حججتم في شعبان؟ فقالت: إلى قبر الحسين (عليه السلام)، فأستطار غضبا وأتى بمولاتها فحبست واستصفى أملاكها. وبعث برجل من أصحابه يقال له الديزج - كان يهوديّاً فأسلم - إلى قبر الحسين (عليه السلام)، وأمره بكرابه ومخره (إرسال الماء فيه)، وإخراب كلّ ما حوله. فمضى لذلك وخرّب ما حوله، وهدم البناء، وكرب ما حوله نحو مائتي جريب. فلمّا بلغ إلى القبر الشريف لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح على سائر الطرق بين كل مسلحتين ميل لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجه به إليه فقتله أو انهكه عقوبة".
ويظهر من رواية أبي الفرج الأصفهاني هذه، أنّ الهدم الأول كان في بداية حكم المتوكل في شعبان سنة 233 هـ، وأنّ المسلمين لم يقدموا على هدم القبر المطهّر، وأن إبراهيم الديزج اليهودي الأصل أتى بجماعة من قومه من اليهود لهذا الغرض، وأنّ اليهود هم الذين باشروا في المرة هذه بهدم قبر سيد الشهداء (عليه السلام) ، وأنّ الديزج حسب أمر المتوكل لم يكتف بهدم القبر الشريف وحده وإنّما خرّب ما حوله، فهدم مدينة كربلاء كلها، وأنّه وكّل في أطرافها المسالح لمنع الزائرين من الزيارة بالقوة والقتل وأقسى العقوبات.
إنّ سبب إقدام المتوكل على ارتكاب هذا العمل الفظيع كان لحرمانه لحظة واحدة من صوت المغنية في ساعة السكر والشرب، وهو ما يكشف دناءة العباسيّين وارتكابهم لأبشع الجرائم في سبيل شهواتهم وحبهم للدنيا والسلطة، وحقدهم الدفين على آل بيت النبي الأكرم (عليهم السلام).
المصدر: عبد الجواد الكليدار، تاريخ كربلاء و حائر الحسين (عليه السلام)، ص 2