لم يقتصر الشعر الذي قيل في كربلاء على لغة العرب وحدها ولا على المسلمين وحدهم فتمجيد الثورة ضد الظلم هو تمجيد للمبادئ الإنسانية جمعاء, فقد كانت ثورة الحسين عالمية بكل مقاييسها وقيمها ومبادئها السامية فغطى صداها جميع أصقاع العالم وأصبحت كربلاء أنشودة الحرية في فم الأجيال يقول جبران خليل جبران: (لم أجد إنساناً كالحسين سجّل مجدَ البشرية بدمائه).
فقد تغنى بكربلاء الأدب الفارسي والألباني والتركي والباكستاني.. أما في الهند فقد أغنى الأدباء والشعراء الشيعة الأدب الهندي وكان للأثر الحسيني الدور الأكبر في إنماء المعارف والثقافة والمورد للشعراء الذي استقوا منه لا على الصعيد العلمي والفكري والأدبي فقط بل على الصعيدين الروحي والخلقي حيث شكل شعر الرثاء الحسيني الفن الأكثر بروزاً في الأدب الهندي وهناك أسماء كثيرة من شعراء الرثاء الحسيني من كبار أدباء الهند.
كما كان للمجالس الحسينية في الهند أثرها الكبير في تطوّر الرثاء وهذه المجالس مستمرة منذ مئات السنين, فكان الشعراء يجدون في المرثية ملجأ روحياً سامياً يفيض عزاءً ومواساة, فتولع الشعراء الهنود بالرثاء الحسيني وهاموا في سيرة الحسين العظيمة وصاغوا يوم كربلاء بأروع صور الحزن والأسى.
وقد اشتهر منهم في الماضي (مير أمين), و(ميرزا غالب), و(مولوي محمد حسين آزاد), و(مولوي ألطاف), الذي كان ناقداً وشاعراً وكاتباً ومصلحاً, وكان أول شاعر ألف ديواناً شعرياً في الرثاء هو (قلي قطب شاه) ملك (كولكندة) في جنوب الهند, ومن أشهر شعراء المرثية الحسينية (غلام محمد جرامي) الذي كتب أشعاره باللغتين الأوردية والسندية وتبعه الشاعر (محاسن) الذي أطلق على نفسه لقب (البلبل التائه في روضة الحسين) وقد نشرت قصائده في (12) مجلداً وقد استقى محاسن معلوماته التاريخية حول واقعة كربلاء من المؤرخ الهندي الكبير (ثابت علي شاه) (1740 ــ 1810) الذي يُعد أول من كتب عن مأساة كربلاء باللغة الأوردية. إضافة إلى أسماء أخرى كثيرة كبيرة مثل: (مير ببر علي أنيس), و(ميرزا دبير), و(ميرزا سلامت علي دبير) الذين يعدون في طليعة شعراء القارة الهندية ومن كبار شعراء المراثي الحسينية باللغة الأوردية والشاعر محمد باقر الرائد مؤسس الصحافة الأوردية.
ومن نماذج هذه المراثي مرثية الشاعر (محمد حسين آزاد دهلوي) (1220 هـ - 1320 هـ) الذي كان يكتب شعره بالعربية والفارسية إضافة إلى لغته الأم الأوردية كما كان من العلماء وله كتب عديدة في الفقه والعقائد ومن قصائده الرثائية قصيدته التي تعد من أفضل المراثي بالأوردية التي تقرأ في المجالس يقول منها:
مضتْ روحُ حيدرَ بلْ والنبي
إلى حيث رأسِ الشهيدِ الأبي
برأسِ الحسينِ مضى المعتدون
وآل النبي مضوا يهرعون
على رأسِ رمحٍ بدا رأسُه
فيومُ القيامةِ ذي شمسه
لأشياعهِ في العراقِ وداع
وصاروا وفي الشامِ ثم اجتماع
فأكبر في مقتلٍ قد أصيب
وفي الخلدِ نفسُ أبيه تطيب
فدوّى نواحٌ ودمعُ جرى
وروحُ النبيِّ أتتْ كي ترى
وزهراء كانت إلى جنبه
وتبكي وتبكي على ما به
وعباس يملأ ماءَ السقاء
ولم يخش ممن يعادي الرماء
هم الجنّ يبكون بل والملك
إذا قيل قد مات في المعترك
و(آزاد) باق على خدمتك
سيشرد في الأرض من فرقتك