تشرفت كربلاء المقدسة باحتضانها جسد الثائر الأعظم وامام الاحرار والمضحين الرافضين للظلم والذل (أبا عبد الله الحسين عليه السلام)، و كان هذا الشرف العظيم سبباً في انبثاق الروح الثورية الرافضة للاضطهاد في نفوس أبناء هذه البقعة، وقد دونت صفحات التاريخ بحروف من ذهب تضحيات هذه المدينة الابية بوجه المعتدين والمحتلين المتسلطين على عقيدة الشعب، اذ تجد وانت تطالع تاريخ العراق ان رجالات كربلاء من العلماء الافاضل وطلبة العلم وزعماء العشائر قد ضحوا بالغالي والنفيس من اجل استقلال البلاد وبناء العراق الجديد، ومن بين شخصيات الكربلائية التي تركت بصمتها في الحركة السياسية والأدبية والثقافية والدينة هو السيد محمد هبة الدين الحسيني.
نسبه:
هو السيد محمد علي بن الحسين العابد بن السيد محسن الصراف بن السيد مرتضى الفقيه الحسيني، المعروف بهبة الدين الشهرستاني، ولد في مدينة سامراء المقدسة يوم الثلاثاء 24 رجب سنة 1301هـ / 1882م. كان والده السيد “حسين العابد” (ت١٣١٩هـ/1902 م) من علماء كربلاء وأمه السيدة “مريم” بنت الشيخ صالح بن الشيخ مهدي الحائري (ت ١٣٤٠هـ/١٩٢٢م).
تعليمه ونشأته:
تلقى السيد محمد علي هبة الدين دراسته على يدي والده أول أمره، ثم تتلمذ على يد أسـاتذة متعددين في سامراء وكربلاء والنجف، ومن أبرز أساتذته: الآخوند المولى محمد كاظم الخراساني. السيد محمد كاظم اليزدي شيخ الشريعة فتح ﷲ الأصفهاني. الميرزا حسين النوري السيد محمد حسين الشهرستاني الشيخ علي سيبويه الحائري. الشيخ عباس الأخفش السيد علي الشهرستاني الشيخ محمد باقر الحائري.
كان السيد محمد علي منذ صغره بارعاً واعياً وطموحاً ذو نزعة إصلاحية يعمل على تنمية الأفكار الحديثة والمتطورة التي لا تضر بعقيدة ومذهب الى البيت عليهم السلام، فضلا عن محاربته الخرافات الدينية والاجتماعية المنتشرة في المجتمع العراقي والمجتمعات الشرقية.
مواقفه من الاحتلال البريطاني
كان السيد الشهرستاني من أبرز رجالات ثورة العشرين واحد أعضاء المجلس العلمي ومهمة هذا المجلس ترويج الدعاية الدينية للثورة والنظر في القضايا المتنازع عليها التي تقع في داخل البلدة بين العشائر وقد تألف هذا المجلس من خمسة أعضاء، وكان له مواقف كبيرة في الجهاد ضد مستعمري البلاد الإسلامية، ومنهم الإنكليز عند احتلالهم العراق، وتهيأة المسلمين للدفاع عن بلادهم ودينهم من خلال خطبه ورسائله للعشائر العراقية وزعمائهـا، فضلا عن العلماء والمثقفين وكذلك مواقفه في ثورة العشرين، التي شارك بها فاعتقل جراء مشاركته وحكم عليه بل اعدام، ثم شمله العفو العام
حياته السياسية
كان السيد محمد علي هبة الدين مطلعاً على مقتضيات عصره وحاجات قومه، لذلك دفعه حب الخدمة لدينه وقومه إلى المراسلة والمواصلة مع الأمراء والحكام فكان الوسيلة لخير البلاد وراحة العباد كإغاثة المظلومين ورفع شرور الظالمين وإطلاق المسجونين ونفع الفقراء والمساكين وترويج المذهب والدين وتعزيز جامعة المسلمين، وكانت َّمشاريعه كثيرة ومتعددة ولا يمكن بيانها في هذه السطور.
لقد شغل السيد مناصب عديدة من أهمها توليه لوزارة المعارف في عهد الملك فيصل الأول، ومجلس التمييز الجعفـري، وتأسـيس الجمعيات والمجلات وتأسيسه لمكتبته العامـة في الـصحن الكـاظمي الشريف سنة )١٣٦١هـ/ ١٩٤١م، استقال السيد هبة الدين الشهرستاني من وزارة المعارف في أواخر ذی الحجة – آب سنة 1341هـ – ۱۹۲۲ م، وقد كان لاستقالته وقع كبير في ارجاء العراق، وقد قبلت استقالته من لدن الملك فيصل ضمن استقالة رئيس الوزراء السيد عبد الرحمن (نقيب اشراف بغداد) واستقالة أكثر الوزراء من زملائه.
لقد كان قـدس سره مـشروعاً إصلاحيا متكاملا في كل جوانبه، وداعيا إليه في كل زمان ومكـان، فلـم يتـأثر ذلك النشـاط بما أصابه من فقده لبصره على إثر مؤامرة خبيثة للجاسوسة البريطاني (المس بيل) مع الدكتور (طوبليان)، اعتكف في بيته سنة 1934م، دارساً ومحققاً يكتب في اليوم الواحد أربعين صفحة رغم فقدانه للبصر، له من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة ما وصل إلى (361) مؤلَّفاً.