إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
أن الله تبارك وتعالى أودع مبادئ اهتداء الانسان وسعادته في نفسه حتى يكون رسولاً في باطنه متهيئاً لتلقي رسالته التي يوحي بها من خلال أنبيائه، فإن تلك المبادئ ترجع الى أمرين....
أحدهما: حقائق ينبغي إدراكها وأهمها وجود الله تعالى، وهو مما يمكن أن ينتقل إليه الانسان بعقله من خلال الاستدلال عليه بخلقه، على انه سبحانه زرع في الانسان شعوراً بالحاجة ينزع به الى ما وراء الغيب مما يهيؤه لمعرفته سبحانه والاذعان لوجوده، نظير شعور الطفل بالجوع الدال على وجود مصدر للحليب يتغدى منه فنراه يبحث عن هذا المصدر من دون تردد منه في وجوده، ونظير شعورنا بالجوع والعطش الكاشف عن وجود ما نشعر بحاجتنا إليه. ومن الحقائق المهمة أن الانسان يسعد بالعمل الفاضل ويشقى بالفعل القبيح، وهذا المعنى أيضاً موجود كشعور مرموز لدى الانسان حتى إنه يدفعه الى التضحية.
ومن جملتها عدم فناء الانسان بالممات، وهو أيضاً من نوازع النفس التي ربما تهيئه للقبول به عند تبليغه إن لم يبلغ به الشعور به إلى درجة يوجب عنده الإذعان. وهذه المشاعر كلها مركوزة في فطرة الانسان وعند استجابته لها تخدمه بشكل لا تستقيم الحياة بدونها.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص72-73.