ينقل المؤرّخون إنّ كربلاء كانت خلال القرن الثالث الهجري مزدحمة بجموع الزوار من المحبين لأهل البيت (عليهم السلام) من جميع الأقطار الإسلاميّة النائية والقريبة، وكانت عامرة تسودها الطمأنينة فتؤُمّها القوافل، فمنهم يؤثرون البقاء عند قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وآخرون يرجعون الى أوطانهم، فكثرت فيها القبائل العلوية وغير العلوية، وأخذت تتمصر مجدداً شيئاً فشيئاً.
ويُذكر أنّ كربلاء بعد حادثة المتوكل واستخلاف المنتصر، شهدت حركة عمرانية لاقتها الروضة الحسينية المطهرة خلال هذه الفترة مما قام به المنتصر العباسي في سنة (٢٤٧هـ)، من بناء المرقد، ووضع السارية لإرشاد الزائرين، ثم حركة الأخوين الملقبين بالداعي الكبير والصغير ابني زيد العلوي في سنة (۲۷۰ هـ) إلى سنة (۲۸۲ هـ)، فشيّدوا على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) قبّة منسقة منتظمة وحول القبر مسجداً لإيواء الزائرين وأوقفوا الموقوفات الكثيرة للعلويين الساكنين بجوار القبر، الأمر الذي أدّى إلى أن تحجها الوفود من العلويين وغيرهم من المسلمين وتستوطنها، وكذلك زارها من كبار رجال الحديث والسير من رجال الإمامية، وأخذوا في تدريس مسائل الدين والفقه لسكانها المجاورين والزائرين، فاتسعت الحركة العلمية فيها، وصار الطلبة يقصدونها من مختلف الأقطار.
ويروي لنا الطوسي بسنده عن محمد بن سليمان الأعمشي الذي زار كربلاء، وقال: "لما كان أيام الحج خرج نفر من عندنا من الكوفة، وخرجت معهم فصرنا إلى كربلاء، وليس فيها موضع نسكنه، فبنينا كوخاً على شاطئ الفرات، وقلنا نأوي إليه، وهكذا جاءنا ضيف غريب، وقال لنا: أصير معكم في هذا الكوخ الليلة فأنا عابر سبيل، فأجبنا طلبته وأوى معنا تلك الليلة".
يُستدل مما سبق أنّ كربلاء كانت مملوءة بالأكواخ (بيوت الشَعر) يشيّدها المحبون من المسلمين الذين يؤثرون زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) أو يستوطنونها. هكذا كانت كربلاء حتى أوائل القرن الرابع الهجري حيث شُيّدت قصبة كربلاء بعد ذلك، وبُنيت فيها الدور والمساكن لزوار القبر الشريف والسكنة.
المصدر: مدينة الحسين (عليه السلام)، ج2، ص 160.