في خريف عام 1952، شهد العراق انتفاضة شعبية عارمة ضد حكومة اللواء نور الدين محمود العسكرية، التي سارعت فور تسلمها السلطة إلى إعلان الأحكام العرفية. كانت مدينة كربلاء في طليعة المدن التي أسهمت بفعالية في هذه الانتفاضة، حيث انطلقت شرارة الاحتجاجات من ثانوية كربلاء للبنين، تجمّع الطلاب في مسيرة سلمية، متجهين نحو دار المتصرفية، إلا أن حرس الدار حاولوا منعهم من التقدم. بعد مفاوضات بين ممثلي المتظاهرين والسلطات المحلية، سُمح للمسيرة بالاستمرار عبر شارع العباس، وهو من الشوارع الرئيسية في المدينة.
اتخذ الجيش مواقع في الشوارع الرئيسية ومداخلها، لكن المتظاهرين نجحوا في كسب تعاطف الجنود، حتى أن الدبابات والمصفحات العسكرية تحولت إلى منابر للخطب وإلقاء القصائد الحماسية. عندما أدركت السلطات أن زمام الأمور بدأ يفلت من يدها، دفعت بقوات من الشرطة لقمع المتظاهرين. عند وصول المسيرة إلى ساحة علي الأكبر، تمكن المتظاهرون من اختراق الطوق الأمني وأضرموا النار في سيارة جيب محملة بالذخيرة والتجهيزات الخاصة بالشرطة.
ردّت الشرطة بإطلاق النار، مما أدى إلى إصابة عدد من المتظاهرين، ورغم ذلك، أبدى المحتجون بسالة فائقة. عززت السلطات من قواتها في المدينة بوحدات إضافية من بغداد، وتمكنت في النهاية من فرض سيطرتها على الأوضاع. أمرت القيادة الأمنية بنشر الشرطة في مداخل الصحنين الشريفين وفي أسوارهما، إلا أن سادن الروضة العباسية رفض استخدام الروضة المقدسة كمقر للقوات في قمع أبناء الشعب.
في المساء، شنت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من الشباب وقادة المظاهرات، وتحت ضغط جماهيري متزايد، قدمت حكومة نور الدين محمود استقالتها، وأُلغيت الأحكام العرفية، لتعود الأوضاع إلى طبيعتها.
تُعد انتفاضة تشرين 1952 محطة مهمة في تاريخ العراق الحديث، حيث أظهرت وحدة وتلاحم الشعب في مواجهة القرارات التعسفية، وكان لمدينة كربلاء دور محوري في هذه الأحداث، مما يعكس عمق الوعي السياسي والاجتماعي لدى أبنائها.
المصدر
أ.د.عدي حاتم المفرجي،تاريخ كربلاء من الاحتلال العثماني حتى نهاية العهد الملكي،دار الحداثة،بغداد،2024،ط1،ص127