في زمنٍ ازدحم فيه التاريخ بالحبر المأجور وكتابات المجاملة السياسية، يبرز كتاب "البالغون الفتح في كربلاء"، لمؤلفه الأستاذ عبد الأمير القريشي، والصادر عام 2019، كوثيقةٍ نقدية نادرة تجرّدت من المجاملة، واتجهت بشجاعة إلى تطهير الرواية الحسينية من أدران التحريف والتزوير الذي مارسه سَلاطين الجور ومرتزقتهم عبر القرون.
الكتاب الذي بات مرجعاً مهماً للباحثين في التاريخ الإسلامي، لا سيما في وقائع نهضة الإمام الحسين "عليه السلام"، لم يكتفِ بسرد الوقائع، بل أجهد نفسه في غربلة النصوص، وتحليل الروايات، وتمييز الصحيح من المدسوس، واضعاً نصب عينيه هدفاً واضحاً، وهو استرداد الحقيقة من فم التاريخ المخطوف.
لم يخفِ القريشي في كتابه استياءه من الأقلام التي باعت نفسها للسلاطين، وشاركت في تشويه صورة أهل البيت "عليهم السلام"، وسعت إلى تقزيم الثورة الحسينية، وتصويرها وكأنها تمرد سياسي لا أكثر، بل إن الكاتب سلط الضوء على المحطات التي غابت عن وعي كثير من المؤرخين الذين انساقوا وراء النصوص دون تمحيص، فوقعوا أسرى للتضليل.
ويُظهر القريشي في كتابه صبراً كبيراً في تفكيك الصور المشوشة والمريبة التي حيكت حول واقعة الطف، والتي حاولت تبرئة بني أمية من دم الحسين وأهل بيته، مؤكداً إن هؤلاء لم يكتفوا بقتل الجسد الحسيني، بل سعوا إلى اغتيال الفكرة، وطمس مغزى الثورة، وتزييف معانيها.
في أحد أبرز تحليلاته، يكشف مؤلف الكتاب أن ما جرى في كربلاء لم يكن مجرد حادثة قتل سياسية، بل كان صراعاً وجودياً بين الإسلام المحمدي الأصيل، والإسلام الأموي المزيف، وأن يزيد بن معاوية، لم يكن يريد قتل شخص الحسين فحسب، بل كان يسعى إلى محو الإسلام نفسه، عبر وأد صوت المقاومة، وتشويه صورة الحق.
لكن ثورة الحسين "عليه السلام"، كما يصفها الكتاب، كانت الضربة التي قلبت السحر على الساحر، وفضحت "الحزب الأموي" ومن لفّ لفّهم، وعرّت مشروعهم من كل الزيف، وأبقت دم الحسين نوراً في ذاكرة الأمة لا يُطفأ.
الكتاب لا يخاطب فقط المؤرخين، بل يوجه نداءً قوياً إلى خطباء المنابر وكُتاب السير، داعياً إياهم إلى الارتقاء بمستوى الطرح، وتقديم صورة واعية ومؤثرة لنهضة الحسين، تلائم وعي إنسان القرن الحادي والعشرين، بعيداً عن التكرار والخرافة.
المصدر: عبد الأمير القريشي، البالغون الفتح في كربلاء – شهداء قبل الواقعة، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2019، ص27-29