في خطوة نوعية تُعزز من حضور الكنوز التراثية النادرة، يحتفظ مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة بنسخة أصلية نادرة من "ديوان الأمير شهاب الدين أبي الفوارس المعروف بـ (حيص بيص)"، أحد أعمدة الشعر العربي في القرن السادس الهجري، والذي صدر بتحقيق علمي دقيق عن وزارة الإعلام في الجمهورية العراقية عام 1970م، ضمن سلسلة "كتب التراث".
هذا الديوان النفيس الذي حققه وشرح كلماته كل من "مكي السيد جاسم"، و"شاكر هادي شكر"، يمثل شهادة أدبية نادرة على عصرٍ مضطرب وخصبٍ في آن، ويكشف عن عبقرية شاعرٍ جمع بين الفقه واللغة والشجاعة الأدبية والفكرية، واشتهر بقدرته الفائقة على التقاط المفارقات الاجتماعية والسياسية بقلمه وسيفه.
"حيص بيص"، واسمه الكامل "سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي البغدادي"، كان أكثر من شاعر، بل كان شاهداً ناقداً لعصره، وناقلاً أميناً لأخبار العرب ولغاتهم وأشعارهم، ولُقِّبَ بـ "حيص بيص" في لحظة ساخرة حين رأى اضطراب الناس فقال: "ما للناس في حيص بيص؟"*، وبقي عليه هذا اللقب المعبّر عن الشدّة والاختلاط.
ومن روائع أبياته التي ظلّت تتردد في المحافل الثقافية:
ملكنا فكان العفو منا سجيةً فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ
وحللتم قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفحُ
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناءٍ بالذي فيه ينضحُ
يمثّل هذا الديوان مورداً علميّاً وأدبيّاً لا غنى عنه للباحثين في مجالات الشعر العربي، والبلاغة، وتاريخ اللغة، وفكر بغداد العباسيّة، ويُعدّ من المؤلفات التي تثبت براعة الأديب في نحت المعنى وتطويع اللغة لخدمة الموقف والمعنى والكرامة.
وضمن هذا الإطار، تدعو مكتبة مركز كربلاء للدراسات والبحوث، اللغويين والأكاديميين، للإطلاع على هذا الأثر الأدبي الفريد، والتأمل في صوتٍ شعري ظلّ حيّاً رغم القرون، شاهداً على عدلٍ فُقد، وكرامةٍ استُبيحت، ولسانٍ لم يبع نفسه في "حيص بيص" السياسة.