وُلد الشاعر والكاتب والمترجم الدكتور صالح جواد آل طعمة في مدينة كربلاء عام 1928، في كنف أسرة علوية عريقة لها تاريخ طويل في سدانة العتبة الحسينية المقدسة، إضافة إلى إسهاماتها العلمية والأدبية الكبيرة، حيث برز منها العديد من الشعراء والمفكرين الذين أثروا الحياة الثقافية لمدينة كربلاء والعراق عموماً،نشأ الدكتور صالح آل طعمة في بيئة تجمع بين القداسة والأدب، فكانت موهبته الشعرية تتفتح منذ صباه المبكر، أكمل تعليمه في العراق، حيث تخرّج في دار المعلمين في بغداد عام 1952م، ثم واصل مسيرته العلمية ليحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة عام 1957م، بعد إكمال دراسته.
شغل الدكتور صالح آل طعمة مناصب أكاديمية وثقافية مهمة، بدأ مدرّسا في كلية التربية ببغداد، ثم عمل ملحقا ثقافيا في السفارة العراقية بواشنطن حتى عام 1963م،و لاحقا استقر في الولايات المتحدة كأستاذ للغة العربية والأدب المقارن والدراسات الإفريقية في جامعة إنديانا، حيث واصل عطاءه العلمي والأكاديمي لسنوات طويلة.
يُعد الدكتور صالح آل طعمة من رواد الشعر الحر في العراق، إلى جانب أسماء كبيرة مثل بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، ترك إرثا شعريا مهمّا تجلّى في ثلاث مجموعات رئيسية: ظلال الغيوم (1950) ،الربيع المحتضر(1952)،مختارات. وهي قصائد جُمعت لاحقا من الصحف والمجلات.
تميز شعره بوضوح الرؤية وعمق الشعور مع أسلوب يتسم بالجزالة والشفافية، مما جعله يحظى بإعجاب النقاد والقرّاء، وفي بادرة تكريمية مهمة، قام الباحث الدكتور سلمان هادي آل طعمة بجمع أعماله الشعرية في كتاب بعنوان (الأعمال الشعرية الكاملة)، الصادر عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث عام 2022.
حظي الدكتور صالح آل طعمة باهتمام واسع من الأدباء والنقاد،فقد وصفه الأديب كامل رحيم الكيال في كتابه "أدباء كربلاء المعاصرون" بأنه صاحب موهبة متدفقة وشعر نقي وشفاف، واعتبره المؤرخ الدكتور صباح نوري المرزوك واحدا من روّاد الشعر الحر، مؤكدًا مكانته إلى جانب السياب والبياتي ونازك الملائكة،كما سلط الأديب الراحل حسين فهمي الخزرجي الضوء على شخصيته الفريدة، مشيرا إلى أخلاقه العالية وتفرغه للقراءة والكتابة في مكتبة المعارف العامة بكربلاء، حيث وجد في القلم صديقه الوحيد وملاذه.
لم يقتصر عطاء الدكتور صالح آل طعمة على الشعر، بل كان باحثا أكاديميا موسوعيا ترك أثرا واضحا في الدراسات الأدبية واللغوية،ومن أبرز مؤلفاته العلمية:
-مشكلة الازدواج اللغوي_ بحث مقارن بين اللهجة العامية والفصحى (1969)
-الأدب العربي الحديث مترجما (2005)
-مشكلات تدريس اللغة العربية في مرحلة الدراسة الثانوية (1972)
-معجم مصطلحات علم اللغة الحديث (1983)
-قضايا اللغة العربية المعاصرة (2011)
كما قدّم عشرات الأبحاث والمقالات المنشورة في مجلات عربية وعالمية، مسلطا الضوء على قضايا اللغة والأدب العربي الحديث.
رغم تقاعده واستقراره في ولاية ويلينغتون بالولايات المتحدة، لا يزال الدكتور صالح آل طعمة، البالغ من العمر96 عاما، يمارس نشاطه الثقافي والأدبي،يشارك في المؤتمرات والجلسات الفكرية، محتفظا بحيوية فكره وشغفه الكبير بالعلم والأدب،لقد شكّل الدكتور صالح جواد آل طعمة حالة ثقافية فريدة في تاريخ الأدب العراقي الحديث، حيث جمع بين موهبته الشعرية وعمق أبحاثه العلمية، إن مساهماته الأكاديمية والأدبية تعتبر إضافة نوعية للأدب العربي، ‘إذ يعد الدكتور آل طعمة أحد أبرز الأعلام الذين أسهموا في تعزيز الدراسات الأدبية واللغوية على المستوى الدولي، ومما يعكس أيضا دور كربلاء الكبير في إنجاب العلماء والأدباء البارزين.
راجع__
توفيق حسن العطار،الوطنية في شعر كربلاء،من إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث،2018،ط1،ص35