يعود تاريخ الطباعة في بلاد وادي الرافدين إلى عام 5000 ق.م، حينما استُخدمت الأختام الأسطوانية والطينية المنقوشة بتصاميم بسيطة لأغراض النسخ وتوثيق الحيازة. وفي كربلاء يعدّ فن الطباعة الحجرية من أبرز معالم الإبداع في مجال الطباعة والنشر، حيث شهد هذا الفن تطورًا كبيرًا منذ بداياته.
كربلاء، المدينة العريقة، كانت من أوائل المدن العراقية التي أدخلت الطباعة الحجرية، إذ أُسست أول مطبعة حجرية فيها عام 1856م في عهد الوالي محمد رشاد باشا على يد السيد مرزا عباس التبريزي، حيث بدأت هذه المطبعة بطباعة كتب دينية وعلمية، مثل "المقامات"، و"البهجة المرضية في شرح الألفية"، و"خلاصة الأخبار"، بالإضافة إلى طبع منشورات وأدعية وبعض الرسائل العملية للعلماء.
وفي عام 1914م، دخلت مطبعة أخرى إلى كربلاء على يد محمد الظفيري، وطبعت عدة كتب، منها "تباشير المحرومين" وديوان "أنوار الهدى". ورغم إغلاق هذه المطبعة سريعًا، عادت الطباعة للنهوض مع إنشاء مطبعة "الشباب" عام 1935م، التي أسهمت في نشر الكتب التراثية مثل "كربلاء في التاريخ" و"الأخيضر"، إضافة إلى الاهتمام بالكتب السياسية والدينية.
وشهدت كربلاء أيضًا صدور أول جريدة بعنوان "الاتفاق" عام 1916م، تبعتها جريدة "الندوة" عام 1942م. واستخدمت الطباعة الحجرية لطباعة صور الأئمة والمراقد المقدسة باللون الأسود، والتي كانت تُلوَّن يدويًا بألوان الأحمر والأخضر والأصفر، فضلًا عن طباعة الأدعية والآيات القرآنية على القماش لتُستخدم في تجهيز الأكفان.
لايزال تراث الطباعة الحجرية في كربلاء حاضرًا مع وجود وثائق ومخطوطات يعود عمرها إلى أكثر من 400 عام، مما يعكس عراقة هذا الفن ودوره في حفظ الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة.
المصدر: صاحب الشريفي، كربلائيون في ذاكرة التراث الشعبي، 2017، ص183 وما بعدها.