وُلد السيد محمد كاظم بن محمد إبراهيم بن محمد هاشم الموسوي القزويني الحائري في مدينة كربلاء المقدسة عام 1930م ، كان معروفًا بلقب "العلامة القزويني" و"سيد خطباء كربلاء"، وأصبح واحدًا من أبرز رجال الدين والخطباء في العراق، في مجال التوجيه الديني والعلمي خاصة.
نشأ السيد محمد كاظم في أسرة علمية عريقة، فقد كان والده السيد محمد إبراهيم القزويني من رجال الدين البارزين، وجده السيد محمد هاشم القزويني كان من مراجع الشيعة الكبار في عصره، من هذه البيئة الدينية نشأ السيد القزويني، ونهل من علوم أسرته التي كانت غنية بالمعرفة الدينية والفكرية.
نشأ السيد القزويني يتيماً بعد وفاة والديه وهو لم يكمل عقده الأول، فتكفل ابن عمه السيد محمد صادق القزويني بتربيته ورعايته، مما كان له أثر بالغ في تشكيل شخصيته العلمية والدينية.
دخل السيد القزويني إلى الحوزة العلمية في كربلاء، وبدأ دراسته الدينية على يد كبار العلماء في الحوزة، مثل المرجعين محمد هادي الميلاني، ومهدي بن حبيب الله الشيرازي، إضافة إلى عدد من الأساتذة البارزين مثل جعفر الرشتي، ويوسف الخراساني، ومحمد الخطيب، وكان لهذه الدروس دور أساسي في صقل شخصيته الدينية وتهيئته ليكون خطيباً بارعاً .
بدأت ميول السيد القزويني نحو الخطابة في سن مبكرة، فتعلم فنون الخطابة عند أبرز خطباء كربلاء في ذلك الوقت، وهو الخطيب محمد صالح القزويني ، وبذلك أصبح السيد القزويني أحد الخطباء المعدودين في كربلاء، حيث أسس "مدرسة الكتاب والعترة" لتعليم وتأهيل الخطباء الحسينيين، فكانت هذه المدرسة مركزاً هاماً لتخريج الخطباء المشهود لهم بالكفاءة.
وكانت المدرسة تحت إدارته، محط اهتمام كبير، فتخرج منها عدد من الخطباء الكبار مثل ابن عمه عبد الحسين القزويني ومرتضى الشاهرودي، بالإضافة إلى ذلك، أسس "رابطة النشر الإسلامي" في كربلاء، وهي مؤسسة دينية كان هدفها نشر فكر أهل البيت (عليهم السلام) من خلال الكتب التي تعِّرف بالمذهب الشيعي وترّوج لقيمه في العالم الإسلامي، أسهمت هذه الرابطة في نشر أكثر من مليوني كتاب على مدار عشرين سنة، رغم الميزانية المحدودة.
كان للسيد القزويني دور مهم في نشر فكر أهل البيت في المغرب العربي، حيث سافر إلى المغرب وقام بتصحيح بعض الأعراف المخالفة للشريعة الإسلامية التي كانت قد رسختها السياسات الأموية، كتب مقالاً نقد فيه مظاهر الفرح والسرور في يوم عاشوراء في المغرب، مؤكدًا على ضرورة إظهار الحزن والأسى في هذا اليوم الذي يمثل مأساة عاشوراء.
كما كان للسيد القزويني نشاط واسع في مجال التأليف، فقد ألف العديد من الكتب التي تتناول سيرة الأئمة الطاهرين (عيهم السلام)، مثل سلسلة "من المهد إلى اللحد" التي شملت سير الأئمة المعصومين علي ،والحسين، والصادق،والجواد، والهادي، والعسكري (عليهم السلام)، بالإضافة إلى "موسوعة الإمام الصادق" ستين مجلداً ، وشرح "نهج البلاغة"، وغيرها العديد من المؤلفات التي تعتبر مرجعاً علمياً وفكرياً في مجال الشريعة والفكر الشيعي.
لم يقتصر نشاط السيد القزويني على الخطابة والتعليم، بل كان له دور بارز في الدفاع عن حرية ممارسة الشعائر ضد التضييقات السياسية التي كانت تمارسها السلطات، فقد تعرض للاعتقال والنفي بسبب مواقفه من قمع الشعائر الحسينية في العراق. كان أبرز هذه المواقف عندما ألقى كلمة في المدرسة الهندية في كربلاء بمناسبة مولد الإمام المهدي (عليه السلام) في عام 1956م، التي انتقد فيها سياسة حكومة كربلاء آنذاك، مما أدى إلى نفيه إلى كركوك، لكن هذا النفي لم يستمر طويلاً، حيث تم العفو عنه بعد تدخلات شعبية ودينية.
بعد عدة اعتقالات أخرى من قبل نظام البعث البائد ، اضطر السيد القزويني إلى مغادرة العراق نهائياَ، فانتقل إلى الكويت حيث قضى هناك ست سنوات مارس خلالها نشاطه الديني والإرشادي، وأقام صلاة الجماعة في مسجد الإمام الحسين (عليه السلام) في الكويت، كما أسس مسجد فاطمة الزهراء (عليه السلام) في العاصمة الاسترالية سيدني، وواصل نشاطاته التبليغية في أستراليا وباكستان والهند وأندونيسيا ومصر والمغرب.
في السنوات الأخيرة من حياته، استقر السيد القزويني في مدينة قم في إيران، حيث أسس "مؤسسة الإمام الصادق (ع)" قبل أن ينتقل إلى مشهد، توفي السيد محمد كاظم القزويني في عام 1994م، عن عمر يناهز 64 عامًا، ودفن في مدينة قم المقدسة ، تم نقل جثمانه الطاهر إلى كربلاء بعد وفاته عام 2011م كما كانت وصيته ، ليُدفن بجوار ضريح سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، في مقبرة آل الشيرازي في الصحن الحسيني الشريف، في تشييع مهيب شارك فيه الآلاف من المؤمنين ورجال الدين تاركاً إرثاً دينياً وعلمياً كبيراً ، وكان مثالاً في التضحية والوفاء لأهل البيت (عليهم السلام)، حيث جهد طوال حياته في نشر تعاليمهم في العديد من دول العالم ومواجهة محاولات التضييق على اتباع اهل البيت ، يعد السيد القزويني من أبرز الشخصيات الدينية في كربلاء والعالم الإسلامي، وخلّف وراءه أثرًا لا يُنسى في نشر الفكر الحسيني وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام).
راجع
سلمان هادي آل طعمة ،تاريخ الأسر العلمية في كربلاء :آل القزويني ،من إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث ، كربلاء ، 2021،ط1 ،ص66