مع تصاعد الهيمنة البريطانية على العراق عقب الحرب العالمية الأولى، شهدت البلاد حراكًا شعبيًا وسياسيًا واسعًا للتصدي للاحتلال والمطالبة بالاستقلال ومع ازدياد الضغوط الوطنية على سلطة الانتداب البريطاني، أصبحت مدينة كربلاء المقدسة مركزًا هامًا للحراك الوطني ضد الاحتلال. بعد مغادرة المرجع الديني الشيخ محمد تقي الشيرازي مدينة سامراء واستقراره في كربلاء، ازداد نشاط الحركة الوطنية بشكل ملحوظ. أسس الميرزا أحمد رضا، نجل الشيخ الشيرازي، جمعية سرية باسم "الجمعية الإسلامية"عام 1919م ، ضمت عددًا من رؤساء كربلاء وساداتهم ورجال الدين وكانت اهداف الجمعية تتلخص بالأتي:
في نشاطها السياسي ودورها في التعبئة الاجتماعية ، كانت الجمعية الإسلامية مصدراً رئيسياً للتحفيز الوطني، حيث نظمت الاجتماعات السرية ووجهت الدعوات لرفض الاحتلال. كما لعب أعضاؤها دورًا بارزاً في تحريض العشائر والشعب العراقي على مواجهة البريطانيين، مستلهمين توجيهات الشيخ محمد تقي الشيرازي. وكان للجمعية الإسلامية دوراً رئيسياً في تنظيم العمل المقاوم، وبرزت أسماء عدة من قادتها الذين واجهوا مباشرة السياسات القمعية البريطانية، وكانوا من أبرز علماء ووجهاء وأدباء وأعلام كربلاء مثل السيد هبة الدين الشهرستاني، وعبد الوهاب آل طعمة، والسيد حسين القزويني، والشيخ محمد حسن أبو المحاسن، وعبد الكريم العواد، وعمر العلوان، وعبد المهدي القمبر وغيرهم.
أصبحت كربلاء في ذلك الوقت عبارة عن جذوة تحت الرماد وكانت المؤشرات كلها تدل على أن الثورة ستندلع منها ففي كتاب الحاكم العسكري في الحلة في استعراضه الوضع السياسي في منطقته في التقرير الإداري عام (1919) قائلا: (إن الاضطراب في منطقته سببه الدعاية المناوئة للبريطانيين التي كانت تنبعث من كربلاء).
أثارت أنشطة الجمعية مخاوف سلطة الاحتلال البريطاني، فقامت بغلق الجمعية لخشيتها من توسع نشاطها ليشمل مدن أخرى بعد مباركة الإمام الشيرازي لها واقدمت في 2 آب 1919 على اعتقال ستة من رموز الجمعية ونفيهم إلى الهند بتهمة نقل أخبار وتحركات البريطانيين والتصدي لها ،كان هذا الإجراء يهدف إلى كسر شوكة الجمعية وإجهاض تحركاتها، لكنه لم يوقف زخم المقاومة ، من بين هؤلاء المعتقلين:
- السيد مهدي المولوي
- السيد محمد علي الطباطبائي
- عمر العلوان
- عبد الكريم العواد
- طليفح الحسون
- محمد علي أبو الحب
بعد اعتقال هؤلاء الرموز، تدخل الإمام الشيرازي ورفع رسالة في 5 آب 1919 إلى ولسن، نائب الحاكم الملكي في العراق، احتجاجًا على الإجراءات البريطانية وطالبًا إطلاق سراح المعتقلين الا ان ولسن اكتفى بأطلاق سراح اثنين فقط في محاولة لإضهار قوة الإرادة البريطانية اثار هذا حفيظة السيد الشيرازي الذي صمم على السفر إلى إيران لإعلان الجهاد ضد الانكليز رداً على امتهان كرامة العراقيين والاستهانة بها.
كان هذا القرار الحكيم من قبل الميرزا الشيرازي قد أشعل في نفوس العراقيين روح الثورة والمجابهة، فبمجرد أن سمعوا بهذا الخبر وتداولته الأوساط العراقية حتى بدأت الرسائل العديدة تنهال على الشيرازي من الكاظمية والنجف تتضمّن عزم أصحابها على السفر معه لمجاهدة الانكليز من هناك، وكان من ضمن هذه الرسائل رسائل من السادة سعيد وحسين كمال الدين، ومحمد باقر الشبيبي، ومحمد الشيخ يوسف، وعبد الرضا السوداني، والسيد أحمد الصافي، والسيد سعد جريو.
ولما سمع ولسن بذلك تدارك الأمر وأطلق سراح المعتقلين وأعاد من نُفيَ منهم من أعضاء الجمعية، وبعث بمبلغ من المال بيد معتمده محمد حسين خان الكابولي إلى الشيرازي، إلا إن الشيرازي رفض قبول المال موضحاً لمعتمد ولسن رأيه الحازم بأستقلال العراق من دون وصاية بريطانية.
لم تكن الجمعية الإسلامية مجرد تنظيم سياسي؛ بل كانت رمزًا لوحدة العراقيين في مواجهة الاستعمار، لقد جمعت بين رجال الدين والعشائر والوجهاء في صف واحد، ما عزز من تلاحم الحركة الوطنية. كانت مطالب الجمعية الواضحة بالاستقلال ورفض الانتداب بداية لتبلور مشروع وطني شامل قاد إلى ثورة العشرين لاحقًا.
راجع
عزيز الطرفي،موقف العشائر العراقية من معاهدة الانتداب البريطاني سنة1922م دراسة وثائقية ، من إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث ، كربلاء ،2024،ط1،ص33