نشرت صحيفة "دايلي تايمز" الباكستانية، مقالاً إستشهدت في مستهله بمقولة المؤلف والروائي البريطاني الشهير "تشارلز ديكنز"، إنه "لو كان الإمام الحسين (عليه السلام)، قد حارب لإشباع رغباته الدنيوية، فأنا لا أفهم لماذا رافقته أخته وزوجته وأطفاله؟، فمن المنطقي إذن، أنه ضحى من أجل الإسلام وحسب!!".
وقالت الصحيفة في مقالها المعنوّن بـ "القناعة والإمام الحسين (عليه السلام)"، إن "القناعة كما يعرّفها قاموس (كامبريدج)، هي (رأي أو معتقد قوي)، وهذا يعني أن أولئك الذين لديهم هذا المعتقد، هم واثقون بنسبة مائة بالمائة من صحته، ولا شيء يمكنه أن يهز أو يلقي بالشكوك على إيمانهم، ومن أجل أن يكون المرء مقتنعاً تماماً بعزيمة ما، فيجب عليه أن يمتلك معرفة غير عادية وأن يكون لديه ثقة كاملة بالنفس بشأن قدراته".
وتابع المقال، أن "من الأمثلة الملائمة جداً في عالم اليوم على هذا المفهوم، هو الخبير الفرنسي في فن المشى على الحبال (فيليب بيتي)، والذي كان مقتنعاً تماماً بقدراته لدرجة أنه لم يهتم حتى بما إذا كان عمله قانونياً أم لا، حيث إشتهر برحلاته غير المصرّح بها بين برجيّ كاتدرائية نوتردام في باريس عام 1971، وجسر ميناء سيدني عام 1973، بالإضافة الى مسيره على الحبال بين برجيّ مركز التجارة العالمي السابقيّن في مدينة نيويورك على ارتفاع (400) متر فوق سطح الأرض بدون شبكة أمان، مع إمكانية حدوث خلل بسبب الرياح على هذا الارتفاع إلى جانب عوامل طبيعية أخرى".
وأضافت كاتبة المقال، "حزيمة بخاري"، أن "هذه هي قدرة وقوة الاقتناع التي تدفع الناس إلى القيام بأشياء قد لا يحلم بها الكثيرون أو حتى أن يتخيلوها، فبالنسبة لهم، لا معنى للحياة والموت طالما أنهم واثقون من معتقداتهم، ومن منظور تاريخي، فإن الرجال والنساء ذوي الاقتناع الراسخ كانوا ولا يزالون يتعرضون للاضطهاد والتعذيب، لكنهم إذا لم يستسلموا، فإنهم سيتركون آثار أقدامهم في رمال الزمن، وسيتطلّع الناس الى الإقتداء بهم، حيث تقول السياسية الأمريكية (باربرا بوكسر) في هذا المجال، إنه "عندما تتخذ موقفاً من منطلق الاقتناع العميق، فإن الناس يعرفون أنهم قد لا يوافقون حتى، لكنهم سيسألون، هل يريدون شخصاً مستعداً لإتخاذ موقف صارم؟، شخص يمكنهم الوثوق به للقيام بذلك عندما تكون تتلاشى المعنويات؟".
وبيّنت "بخاري" التي تعمل كمحامية ومؤلفة وأكاديمية في جامعة "لاهور" للعلوم الإدارية، أن "قناعة الإمام الحسين (عليه السلام) في أصليّ التوحيد والمعاد، كانت عصية على الإنثناء تماماً كما أظهرتها خطبه التي ألقاها في ساحة معركة كربلاء"، مشيرةً الى أن "حالة الإنقلاب التي أفرزتها وفاة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله)، قد كشفت عن الكثير من الشكوك حول فكر هذا الدين، وبالتحديد في أصل التوحيد (أي وجود ووحدانية الله تعالى)، والمعاد (يوم القيامة)، مما إستدعى تصدياً فورياً لإنقاذها، فكان خير من يخطو الخطى في هذا المجال، هو حفيد النبي نفسه (صلوات الله عليهما) وثالث الأئمة من سلالته، والذي أحيا ما كان يروِّج ضده زوراً، منافقون يرتدون زي رجال الدين، عبر نزع أقنعتهم وكشف نفاقهم حتى لو اضطر الإمام (عليه السلام) وجميع أهل بيته وأصحابه، إلى أن يضحون بحياتهم من أجل هذا المسعى".
وتابعت الصحيفة الباكستانية، أنه "مع هذا الجمع المؤمن من الأهل والأصحاب، شرع الحسين (عليه السلام) في تصحيح جميع الأخطاء، عبر وقفة غير متكافئة ضد جيش مدرّب ومجهّز تجهيزاً جيداً، وهو ما أشار اليه بدقّة، المؤرخ الأسكتلندي الشهير (توماس كارلايل) بالقول، إن (الحسين قد أوضح جلياً أن التفوق العددي لا يهم عندما يتعلق الأمر بالحق والباطل، فالإنتصار الذي حققه الحسين، على الرغم من قلّة مناصريه، يذهلني)، وقوله إنه (لولا استشهاد الحسين، لإنقرض الإسلام منذ زمن بعيد، فلقد كان هو المنقذ للإسلام وبسبب استشهاده، رسّخ الإسلام جذوره العميقة التي لا يمكن ولا حتى تخيّل إمكانية قلعها الآن)".