نشرت صحيفة "داون" الباكستانية، مقالاً إفتتاحياً شرحت من خلاله مصطلح "الإنسان الكامل" المستخدم في التصوف الإسلامي، للدلالة على أفضل خلق الله، والشخص الذي يقتدي به الجميع من أجل تحقيق النمو الروحي، والخلاص من حُجُب المادية، والاقتراب من الباري "عز وجل".
وقالت الصحيفة في مقالها، إن "هذا المصطلح، والذي اشتهر به الصوفي الأندلسي (إبن العربي)، ينطبق تماماً على النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، حيث شهد القرآن الكريم بذاته، على عظمة شخصية خاتم الرسل في سورة (الأحزاب) المباركة، بقوله (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)"، مشيرةً الى أنه "تم إستخدام هذا المصطلح أيضاً لوصف حضرة الإمام علي ونجله الإمام الحسين (عليهما السلام)".
ونقل كاتب المقال "قاسم أ. معيني" عن الفيلسوف والباحث الإيراني الراحل "مرتضى مطهري"، وصفه في كتابه "الإنسان الكامل"، الإمام علي "عليه السلام"، بالقول إنه "رجل تطورت فيه جميع القيم الإنسانية بإنسجام"، مؤكداً إنه "على غرار صفات الكمال البشري التي تجلّت في جده ووالده وشقيقه (صلوات الله عليهم)، فقد خلق الإمام الحسين أيضاً، أنموذجاً محترماً يحتذى به، عندما أظهر أسمى وأرقى الصفات في سهول كربلاء الملتهبة خلال يوم عاشوراء سنة 61 هـ".
وتابع "معيني"، أنه "في كربلاء، بل وطوال حياته المباركة، أوضح الإمام الحسين، كيف يرتقي (الإنسان الكامل) في مواجهة المحن الشِداد، سواء كان ذلك في ساحة المعركة، أو على المنبر، أو حتى على سجادة الصلاة، فقد كان الإمام الحسين مثالاً على الكمال بكل ما تحمله الكلمة من معنى، محارباً لأقسى الظروف بشجاعة وبسالة وحكمة، ففي ساحة المعركة، كان نسخة طبق الأصل من والده أسد الله الغالب، لكن مع عائلته، وخاصة الأطفال منهم، فكان إنساناً رقيقًا وعطوفاً، ذو علاقة خاصة مع إبنته الصغيرة سكينة (عليها السلام)".
ويضيف كاتب المقال، أن "كتب الحديث مليئة بفصول الثناء على الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنها قول رسول الله، (حسين مني وأنا من الحسين)، مبيّناً أن "تفسير هذا الحديث، يتعدى الوضوح في وصف قرابة الإمام من جده الرسول، الى حقيقة تحذير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، من أنه لو لم يتخذ سبطه الحبيب، موقفه الشجاع في كربلاء، لكان قد واجه دين الإسلام خطراً جسيماً مهدداً لبقائه".
وأشارت الصحيفة الباكستانية الى أنه "لدى التأمّل في المآسي التي حلّت بالإمام الحسين وأفراد عائلته وأصحابه في يوم عاشوراء، تظهر ضآلة معاناتنا، فبالرغم من كون حفيد خاتم الأنبياء في مواجهة جحافل أموية متعطشة للدماء حتى مع النساء والأطفال، ووقوع أكثر من (300) جرح في جسده الطاهر، إلا أنه في الوقت الذي انتهت فيه معركة كربلاء، أحنى هذا الرجل (الرائع) رأسه خضوعاً لله تعالى"، مبينةً أن "هذه الشخصية التي ألهمت الناس، مسلمين وغير مسلمين على مرّ العصور، هي المثال الأفضل للإتّباع في مواجهة اليأس والاكتئاب اللذان فرضتهما ظروف إنتشار جائحة كورونا عالمياً".
وإختتمت صحيفة "داون" مقالها بالتشديد على إن "لكل ثقافة حول العالم أبطالها، إلا أن الأمر يتطلب (إنساناً كاملاً) كي تتذكره جميع هذه الثقافات بدون إستثناء، وهذا هو السبب وراء حزن الملايين، كلٌ بطريقته الخاصة، على مصاب الإمام الحسين دون إعتبار للحدود الوطنية واللغوية، أو الإنتماء لأمة بعينها سواءً من العرب أو العجم، من الشيعة أو السنة، أو حتى الأديان على إختلافها، ليصبح الحسين (عليه السلام) بطلاً للإنسانية جمعاء".