نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" العالمية الشهيرة، مقالاً إفتتاحياً كشفت من خلاله عمّا وصفته بـ "الفوائد العميقة" التي تقدّمها فريضة الصيام لصالح كل من الوزن وطول العمر ومقاومة الأمراض التي تصيب الجسم البشري عموماً.
وجاء في المقال المقتبس من كتاب ألّفه الأستاذ في المركز الطبي بجامعة "شاريتيه" في العاصمة الألمانية برلين "د. أندرياس ميشالسن" بعنوان "علاج الطبيعة: دليل الطبيب لعلوم الطب الطبيعي"، أن "الصيام هو أحد أكبر وسائل إنقاص الوزن التي ظهرت في السنوات الأخيرة، حيث إتّبعه مشاهير الصف الأول في العالم، وكان موضوعاً لمجموعة من أكثر الكتب مبيعاً، فضلاً عن كونه ضمن أكثر النظم الغذائية بحثاً على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة في عام 2018".
وأشار "ميشالسن" الى أنه "لا ينبغي النظر الى الصيام بإعتباره مجرد إتجاه جديد متّبع، ففي مستشفى جامعة (شاريتيه) في برلين، تم اللجوء الى ما يسمى بـ (الصيام المتقطع)، أو الأكل المقيَّد بالوقت، بغرض مساعدة المرضى الذين يعانون من مجموعة من الحالات المزمنة مثل أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والروماتيزم وأمراض الأمعاء، بالإضافة إلى متلازمات الألم مثل الصداع النصفي والتهاب المفاصل".
وأضاف الكتاب أن "هنالك طرق مختلفة لإجراء الصوم، إلا أنه ينصح المرضى بتجاهل وجبتيّ طعام خلال اليوم، حتى لا يتناولوا أي طعام لمدة 14 ساعة على الأقل، مما يجعل الوجبة الثالثة أهم وجبة في اليوم، كما أن هذا الإجراء يقلل الوقت الذي يقضيه الجسم كل يوم في معالجة الطعام ويطيل الفترة المخصصة لتطهير خلايا الجسم واستعادتها، مما يؤدي الى ظهور آثار صحية إيجابية".
وتابع المقال أن "الدليل على صحة هذا النهج قد نشره عالم الأحياء في معهد (سالك) بولاية كاليفورنيا، (ساتشيداناندا باندا) في تقرير له عام 2012 على صفحات مجلة ((Cell Metabolism الطبية الشهيرة، حيث بدأ هذا العالم بإطعام مجموعة من الفئران نظاماً غذائياً عالي الدهون على مدار الساعة ولمدة 18 أسبوعاً، حيث أصيبت عناصر الإختبار بحالات من الكبد الدهني، وأمراض البنكرياس، والسكري، فيما منح مجموعة أخرى، نفس العدد من السعرات الحرارية في اليوم، ولكن خلال فترة ثماني ساعات فقط، حيث أن ما كان مثيراً للدهشة حينها هو بقاء المجموعة الثانية أكثر نحافةً وصحةً ولفترة أطول".
وبيّن التقرير أن "السبب وراء ذلك، هو أنه عندما يقوم البشر بالأكل، فإن الجسم يفرز مادة الأنسولين، مما يؤدي إلى تعطيل عملية (Autophagy) أو (الالتهام الذاتي)، والتي تقوم من خلالها الخلايا بتفكيك المكونات القديمة التالفة من أجل إطلاق الطاقة وبناء جزيئات جديدة، كما تساعد هذه العملية على مواجهة شيخوخة الخلايا وبناء المناعة"، مشيراً الى أن "الصيام يحفز الالتهام الذاتي ويسمح بإنطلاق عملية البناء الجزيئية بالكامل، وهو ما أثبته أيضاً فريق طبي في جامعة (كراتس) بالنمسا في عام 2017".
وأكدّت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن "الصيام يساهم أيضاً في صحة الدماغ وسعادته، حيث أثبت عالم الأعصاب في المعهد الوطني للصحة، (مارك ماتسون)، في تجارب أجراها على مدى عقدين كامليّن، أن عوامل نمو الأعصاب تساهم بشكل كبير في صحة الدماغ والمزاج الإيجابي، كما وجد أن الصيام وتقييد السعرات الحرارية وممارسة الرياضة تحفز زيادات واضحة في عامل نمو الأعصاب"، مشيرةً الى أن "حيوانات الاختبار في مختبر الدكتور (ماتسون) ممن صامت عن الطعام بشكل متقطع، قد أظهرت خطراً أقل بكثير تجاه الإصابة بمرض باركنسون والتصلب المتعدد ومرض الزهايمر".
وأوضحت الصحيفة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، أن "الصيام قد يكون فعالاً في منع تكرار الإصابة بمرض السرطان، حسبما أشارت النتائج الأولية لدراسة وبائية أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا"، مبينةً أنه "من بين (2400) امرأة مصابة بسرطان الثدي في مراحله المبكرة، عانت حوالي (400) منهن من أورام جديدة في غضون سبع سنوات، لكن النساء اللائي صمنَ لمدة 13 ساعة ليلاً كان لديهن خطر إصابة أقل بنسبة 26 ٪ من التكرار مقارنة بالمجموعة الأخرى، وهو ما ظهر أيضاً عبر التجارب المطبقة على الحيوانات من قبل فريق في جامعة جنوب كاليفورنيا، وهو أن الخلايا السرطانية أقل قدرة من الخلايا الطبيعية على البقاء في حال نقص السكر".
وينقل المقال الإفتتاحي عن علماء في جامعة "بادوا"، تأكيدهم إن "الرياضيين الشباب الأصحاء ممن يصومون لمدة (16) ساعة قد إستفادوا هم أيضاً من التغيرات الأيضية في أجسامهم على مدى ثمانية أسابيع مقارنةً بأقرانهم، حيث إنخفضت مستويات العوامل الإلتهابية في دمائهم، وعوامل سير عملية الشيخوخة، بما في ذلك مادة الأنسولين".
وتختتم الصحيفة مقالها بالإشارة الى أن "الصيام كممارسة، هو أكثر من مجرد تقييد للسعرات الحرارية أو العناصر الغذائية، حيث أنه بالنسبة لكثير من الناس، تجربة علاجية روحية أيضاً، فعلى على مدار حياة المرء، يواجه العديد من أنواع النقص، سواء في المال أو النجاح أو المودّة، إلا أن الصوم يعد تنازلاً بكامل الوعي عن هكذا متطلبات، فضلاً عن كونه ممارسة مقيدة للحرمان، مما يفسر السبب وراء نجاح الصيام في زيادة الكفاءة الذاتية، والتغلب على الحاجة الغريزية بطريقة تمنح الفرد القوة الجسدية والعقلية اللازمة، وهو ما وصفه الشاعر الألماني (هيرمان هيسا) في روايته (سيدهارتا) بشكل رائع، بالقول "لا شيء تؤديه الشياطين؛ يمكن لأي شخص أداء السحر، يمكن لأي شخص أن يصل إلى أهدافه إذا كان يفكر، إذا كان بإمكانه الانتظار، إذا كان بإمكانه الصوم".
المصدر: اضغط هنا