ذكر كتاب "الإمام الحسين في الدراسات الإستشراقية" الصادر عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، أنه مما شاع عن الجهد الإستشراقي هو أنه "إستعماري"، و"تبشيري"، و"مصلحي"، حيث تعدّ هذه التسميات هي النظرة العامة المأخوذة عنه عربياً وإسلامياً، والتي تعكس واقعاً حقيقياً، رغم عدم خلوها من المبالغة المغدقة في العداء المبني على أسس غير علمية في بعض الأحيان، فيما تلزمنا النظرة العقلانية والإسلامية الحقيقية، بمحاكمة الجهود والآراء وفق قاعدة "الإنصاف" وإعطاء كل ذي حق حقه.
وقال الكتاب في معرض بيانه للمعتركات الحاضنة لجهود المستشرقين الغربيين، إنه "كان من ضمن زمرة المستشرقين من دفعه عداؤه لكي يكتب عن الإسلام وعن التراث الإسلامي وعن الشخصيات الإسلامية بنفس معادٍ ٍ وبأسلوب مشوه للحقائق، فيما كان من ضمنهم أيضاً من دفعه (النَفس التبشيري) إلى إعتبار الإسلام عدواً للمسيحية، بل هو عندهم ليس بدين أصلاً والواجب محاربته بالقول والسلاح معاً، أما الزمرة الثالثة، فهي المنتمية لطلائع الغزو الاستعماري الذي استشرى في أرجاء الكرة الأرضية في تنافس محموم بين الدول الأوربية للبحث عن الثروات وبأي وسيلة كانت".
ويبيّن مؤلف الكتاب، سماحة الشيخ "ليث العتابي"، أنه "في هذا الوسط، ورغم كل ما ذكرنا، برزت شخصيات إتخذت نهجاً عقلانياً معتدلاً موصوف بالإنصاف والبحث العلمي المنصف الباحث عن الحقيقة وسط ركام التاريخ، حيث تميّز هذا التيار بأنه كان يقلب الصفحات تلو الصفحات حتى النهاية ولا يتوقف عند قول ليحكم وفقه، ولا يبحث عن الثغرات ليعتبرها (سبة) أو (خللاً)، بل يعتبر ذلك شيئاً وارداً وطبيعياً جداً".
ويضيف "العتابي" أن "هذه الثلة أطلعت على كمٍّ هائل من الكنوز التاريخية، والتي إنبهرت بها ووجدت فيها ما لم تجده وأو تسمع به عند شعوب أخرى، نظراً لما ضمّته من أسس معرفية وعلوم لم تجتمع في مكان ثانٍ أبداً".
ويتابع سماحة الشيخ، أن "أجمل ما يمكن ان نضرب به مثالاً هو مطالعة كتاب (مع المخطوطات العربية) للمستشرق الروسي (كراتشكوفسكي)، والذي ذكر فيه (منبهراً) و(منصفاً)، الجهود العلمية للعلماء العرب والمسلمين وما قدموه من علوم لم يسبقهم بها أحد، في حين أن المثال الآخر، هو كتاب المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) الموسوم بـ (شمس العرب تسطع على الغرب) والذي توضح فيه ما للعرب والمسلمين من اسهام كبير في التطور الحضاري عموماً والتطور الحضاري في أوربا بشكل خاص".
ويختتم كتاب "الإمام الحسين في الدراسات الإستشراقية"، بالتأكيد على إنه "وبعد كل ما تقدم، فإن للمصلحة والعداوة، الدور الأكبر في بلورة أفكار الكثير من المستشرقين ليكتبوا عن الإسلام حسب هذه التأثيرات وليحكموا وفقها، لكننا ووسط كل هذه الحملة الشعواء، نجد اصواتاً منصفة من المستشرقين، تقول بما تؤمن به، وتتبع الدليل لتحكم وفقه، وتلك الطبقة هي طبقة المنصفين من المستشرقين".
المصدر:- الإمام الحسين في الدراسات الاستشراقية، الطبعة الأولى، أحد منشورات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2018، ص 34-36.