لم يشهد تاريخنا الحديث والمعاصر، هجمة بربرية وحشية ضد التراث ورموزه، كما شهدته مدينة البقيع المقدسة من حملة تطهير قادها جلاوزة الحركة الوهابية المتطرفة في عاميّ 1805 و1926م، مما دفع أغلب المجتمعات الإسلامية في العالم الى إستذكار تاريخ إنطلاق هذه الحملات المشؤومة في الثامن من شوال في كل عام تحت مسمى "يوم الهدم".
وتذكر المصادر التاريخية أن إختيار البقيع كمقبرة للمسلمين كان قراراً من الرسول الكريم "صلى الله عليه وآله وسلم" في السنة الأولى بعد الهجرة، حيث شهدت المدينة المنورة ومنذ ذلك الحين، دفن كبار الصحابة والكثير من المسلمين في هذه المقبرة التي ضمّت في أوقات لاحقة أضرحة مجموعة من أهم الشخصيات في الإسلام كالعباس عم النبي الأكرم، وأربعة من الأئمة المعصومين "عليهم السلام"، تعلوها القباب والمآذن ذات الطراز الإسلامي البديع في البناء.
وكانت الأضرحة والمواقع الدينية والتاريخية في هذه المقبرة ذات أهمية بالغة لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم وخصوصاً في أوقات الحج والعمرة وذكرى ولادات ووفيات الأئمة "عليهم السلام"، حيث كان الحجاج والمعتمرين غالباً ما ينهون عباداتهم بالتوجّه الى مدينة رسول الله "صلى الله عليه وآله" لزيارة هذه المقبرة والأضرحة التي تضمّها.
ومع ظهور المدّ الوهابي المستمد من فكر "إبن تيمية" في أرض الحجاز، زعم أتباع هذا الفكر أن بناء أي شيء على قبور المؤمنين أو زيارتها هو ضد مبدأ التوحيد لله "عز وجل"، فأقدموا بالتالي على تدمير جميع المعالم المشابهة في مختلف مناطق الحجاز، ففي عام 1805م، حاصر الوهابيون المدينة المنورة وبعد إستسلامها تحت قوة السلاح، إستولى "سعود بن عبد العزيز" على جميع الممتلكات والكنوز الموجودة في مرقد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وأمر بهدم جميع القباب في مقبرة البقيع.