ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
أنّ من الحقوق الفطريّة لكلِّ دولة مشروعة توفير الأمن لنفسها ومن يعيش فيها، في مقابل التحديّات والأخطار الحافّة بها. وليس من المعقول مطالبتُها بالتساهل في ذلك على أساس رعاية استحقاقات الكيانات الأخرى التي تهدّد وجودها.
وعليه: يكون من المعقول أن تعمل الدولة المسلمة على وجهٍ يضمن أمنها في مقابل الأخطار والتحديّات المتوقعة، بعد افتراض مشروعيّة هذه الدولة؛ من حيث مقوّمات وجودها، ونظام الحكم فيها، وتوقّف أمنِ بل وجودِ أفرادها على بقائها، وقد تقدّم من قبل أنّ أيّ هجوم على هذه الدولة لم يكن يستهدف التغلّب على الحكم فحسب، بل كان يستهدف تمام أفرادها واعتقادهم الجديد الذي كان يتلقى تهديداً للأفكار السائدة، وهي الشرك واليهودية والنصرانية.
وإذا كانت هذه العقيدة عقيدة حقّة فعلاً كما هي في المنظور الإسلامي فإنّ من المعقول أن يخاف هؤلاء من أنْ يُفتنوا عن دينهم، ويفنى هذا الكيان من أصله، وهو كيان عزيز نادر؛ إذ أنّه كان يحمل رسالة جديدة من الله سبحانه إلى خلقه، في بيئة أمّية، لا عهد لها بكتاب أو رسالة إلهيّة.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص، 247-246.